بقلم: د. عدنان بوزان
تعد السلطة الانتقالية إحدى الظواهر السياسية – القانونية المرتبطة بالمراحل الاستثنائية التي تمرّ بها الدول عقب انهيار الأنظمة أو إثر الحروب والثورات أو نتيجة اتفاقات داخلية ودولية. وتندرج طبيعتها القانونية ضمن إطار سلطة الأمر الواقع، إذ لا تستند عادةً إلى شرعية دستورية مكتملة، بل تناط بها مهمة تسيير شؤون الدولة مؤقتاً وتهيئة الظروف اللازمة للانتقال نحو نظام ديمقراطي مستقر.
ومن هنا تنشأ إشكالية محورية: هل تملك السلطة الانتقالية الحق في انتخاب أو تعيين أعضاء مجلس الشعب السوري، لا سيما في ظل الظروف الراهنة التي تشهد انقسام الجغرافيا السياسية السورية وخروج مناطق واسعة عن سلطة دمشق؟
الإشكالية:
إن جوهر الإشكال يكمن في التناقض بين مبدأ سيادة الشعب، الذي يوجب انتخاب ممثليه عبر الاقتراع الحر المباشر، وبين طبيعة السلطة الانتقالية المؤقتة التي تفتقر إلى الشرعية التمثيلية الشاملة. ويزداد هذا التناقض تعقيداً في الحالة السورية، حيث فقدت السلطة المركزية سيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد، ما يجعل أي عملية انتخابية في هذه الظروف تفتقر إلى الأساس القانوني والشمولية السياسية.
المحور الأول: الطبيعة القانونية للسلطة الانتقالية
السلطة الانتقالية بطبيعتها ليست مؤسسة تشريعية أو تنفيذية مكتملة، بل كيان مؤقت ينهض بمهمتين رئيسيتين:
1- تسيير شؤون الدولة مؤقتاً ومنع حدوث فراغ سياسي.
2- تهيئة البيئة القانونية والدستورية لإجراء انتخابات عامة حرة تعيد الشرعية للمؤسسات الدستورية.
وبناءً على ذلك، لا تمتلك هذه السلطة صلاحية مصادرة حق الشعب في انتخاب ممثليه، لأن هذا الحق يرتبط بمبدأ السيادة الشعبية المكرّس في الفقه الدستوري الحديث.
المحور الثاني: السلطة الانتقالية وصلاحية إنشاء هيئات تشريعية مؤقتة
في بعض الظروف، قد تضطر السلطة الانتقالية إلى إنشاء هيئات تشريعية مؤقتة أو "مجالس تأسيسية" تصدر إعلانات دستورية أو تصوغ دستوراً جديداً باتفاق مع جميع الأطراف والمكونات وليس تحديد من طرف واحد. غير أن هذه المجالس تختلف جوهرياً عن مجلس الشعب بالمعنى الدستوري، وذلك لأنها:
- لا تستمد شرعيتها من انتخابات عامة مباشرة.
- صلاحياتها محدودة ومؤقتة.
- وظيفتها الأساسية تأسيسية وليست تشريعية دائمة.
المحور الثالث: الواقع السوري وانعكاساته على مسألة الشرعية
تمثل الحالة السورية نموذجاً بالغ التعقيد، إذ أن الجغرافيا السياسية اليوم منقسمة بين سلطات متعددة ومتباينة:
- الساحل السوري: يخضع لخصوصية في النفوذ والولاء السياسي والعسكري.
- محافظة السويداء: تكاد تكون خارج سلطة دمشق وتمارس شكلاً من الإدارة الذاتية.
- منطقة شرق الفرات: تخضع لإدارة ذاتية مدنية – عسكرية مستقلة فعلياً عن النظام المركزي.
في ظل هذا التشتت الجغرافي والسياسي، فإن أي سلطة انتقالية جديدة في دمشق لا تملك الحق ولا القدرة الواقعية على انتخاب أو تعيين مجلس شعب يمثل جميع السوريين. وأي محاولة من هذا النوع ستفتقر إلى المشروعية، لأنها ستقتصر على مناطق نفوذ محدودة دون أن تعكس التمثيل الوطني الشامل.
المحور الرابع: البعد السياسي – القانوني للعملية الانتقالية
إن إقدام سلطة انتقالية على انتخاب مجلس الشعب أو تعيينه سيؤدي إلى:
1- انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات.
2- مصادرة حق الشعب في التمثيل السياسي.
3- إنتاج أزمة شرعية داخلية وخارجية قد تفشل المرحلة الانتقالية برمتها.
أما الدور الصحيح للسلطة الانتقالية فيتمثل في:
- الإشراف على تنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة تحت رقابة محلية ودولية.
- ضمان مشاركة جميع المكونات والمناطق السورية في العملية الانتخابية.
- تأسيس بيئة دستورية تعيد الاعتراف والشرعية للمؤسسات التمثيلية.
الخاتمة:
في ضوء التحليل السابق، يمكن الجزم بأن أي سلطة انتقالية سورية لا تملك الحق القانوني أو السياسي في انتخاب أعضاء مجلس الشعب أو تعيينهم، لأن ذلك يتعارض مع مبدأ السيادة الشعبية ويصادر الإرادة العامة. ويزداد هذا الحكم رسوخاً عند النظر إلى الواقع السوري الراهن، حيث تفتقر دمشق إلى السيطرة الكاملة على الجغرافيا الوطنية (الساحل، السويداء، شرق الفرات).
وعليه، فإن مهمة أي سلطة انتقالية يجب أن تقتصر على إدارة المرحلة المؤقتة، وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات وطنية جامعة تعكس وحدة الشعب السوري وتمثيله الحقيقي، وتفتح الطريق أمام شرعية دستورية جديدة راسخة ومستقرة.