بقلم: د. عدنان بوزان
ليست الحياة ما نعيشه، بل ما نشفى منه.
فالفن ليس لوناً على قماش بارد، بل نبض خافت يشق الطريق إلى القلب حين تضيع الخرائط، ويبعث في العروق موسيقى لا تسمع، لكنها تبكي.
والقراءة... آه من القراءة!
ليست كلماتٍ تصفّ على الورق كجنودٍ في طابور الصباح، بل نوافذُ تفتح على عوالمَ لم يطأها إنسان، ومرايا نرى فيها وجوهنا التي لم نعرفها يوماً، وأرواحنا كما لم نعهدها.
في كل كتابٍ يولد عقلٌ جديد، وفي كل جملةٍ تتساقط طبقات الغبارِ عن الأسئلة المدفونةِ فينا منذ البدء.
أما القهوة، فليست شراباً أسودَ في فنجانٍ خزفي، بل طقساً قدسيّاً تقام فيه الصلاة السرية بيننا وبين هذا الوجود المتقلب، كأنها جرعةٌ من دفءِ الذاكرة، أو رشفةٌ من صمت الأمهات حين لا يجدن ما يقلنه.
وأما الفلسفة... تلك المجنونة العاقلة!
لا تأتي لتمنحنا أجوبةً، بل لتشعل فينا حرائق السؤال، وتعيد تشكيل الخرائط التي كنا نظنها ثابتة.
إنها تقوض يقين الطمأنينة، لا لتسلبه، بل لتقيم مكانه وعياً أعمق، وسكينة نابعةً لا من الجهل، بل من التصالح مع المجهول.
كل ما نفعله في هذه الحياة، إن كنا نحبها حقّاً، هو محاولة لترميم أنفسنا بما لا يرى:
بفن يشفى به الحزن، وبكلمةٍ تضيء بها العقول، وبرشفةٍ توقظ بها الذاكرة، وبسؤالٍ يعيد ترتيبنا من جديد، كلما تكسرنا.