في حضرة أيلول، ذلك الشهر الذي يتقاطع فيه الزمن مع الذاكرة، وتتمازج فيه رائحة الغياب مع وعد البدايات، نفتح صفحات العدد الحادي والعشرين من دمع القلم. ليس أيلول مجرد فصل يجرّ خلفه أوراقاً ذابلة، بل هو لحظة وجودية يتأمل فيها الإنسان ذاته في مرآة الطبيعة، فيدرك أنّ السقوط ليس موتاً بل تحولاً، وأن النهاية ليست إلا باباً آخر نحو معنى جديد.
إنّ هذا العدد لا يقدم كإضافةٍ رقمية في مسارٍ متسلسل، بل كحضورٍ متجدد لصرخة الكلمة في عالمٍ يزداد صمتاً كلما تضاعف ضجيجه. فالحبر هنا ليس زخرفةً على الورق، بل شهادة على أنّ الروح ما زالت قادرة على المقاومة، وعلى أنّ الفكر، مهما بدا هشاً، أعمق أثراً من جميع القوى التي تحاول إخضاعه.
بين أبحاثه ومقالاته وقصائده وتأملاته، يتجلى بحث الإنسان الأبدي عن المعنى؛ ذلك البحث الذي لا ينتهي، لأنه في جوهره ليس رحلةً نحو إجابة، بل إقامةً دائمة في فضاء السؤال. وهكذا، يغدو دمع القلم منبراً لمن يريد أن يرى ما وراء العيون، وأن يصغي إلى ما يتوارى خلف الكلمات، حيث تتلاقى الدهشة مع الحكمة، والجمال مع الحنين، والإنسان مع ظله في مرايا الوجود.
إنّ أيلول يذكرنا أنّ الفناء ليس خصماً للخلود، بل شريكٌ له في لعبة الزمن؛ وأنّ الغروب، مهما كان مثقلاً بالرحيل، يفتح باباً لفجرٍ محتمل لم يولد بعد. لذلك، فإن هذا العدد يحمل من روح أيلول ذلك الحزن النبيل الذي يتزين بالمعنى، وتلك الإرادة الصامتة التي ترفض الاستسلام للفناء، وتؤمن بأنّ الكلمة قادرة على إشعال نورٍ يتجاوز حدود اللحظة.
إنها دعوة للقراء ألا يقرأوا ما بين السطور فحسب، بل أن يصغوا إلى الصمت الذي يحيط بها، لأن في هذا الصمت يكمن جوهر التجربة الإنسانية، حيث يعاد تشكيل الإنسان بين حضورٍ وغياب، وبين معنى يولد وآخر يتلاشى.
هكذا يصدر العدد الحادي والعشرون من دمع القلم في شهر أيلول، لا ليملأ فراغ مكتبة، بل ليملأ فراغ الروح، وليترك في الذاكرة ندبةً جميلة تذكرنا أنّ الحرف، إذا خرج من قلبٍ حيّ، قادرٌ أن يتجاوز حدود الزمن، وأن يظلّ حياً ما دام في الإنسان شوقٌ إلى المعنى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقرأ العدد الكترونيا من خلال الرابط التالي
https://online.fliphtml5.com/uczyba/iczp/#p=1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للقراءة أو تنزيل العدد أضغط الملف في الأسفل