أيها الشعب الكوردي الأبي،
يا أصحاب الكلمة، يا أبناء الحرف والنور،
يا من حملتم على أكتافكم قضايا أمةٍ تبحث عن صوتها وسط العواصف،
يا من جعلتم من الصحافة ميداناً للنضال، ومن الكلمة صرحاً للحرية والكرامة،
لكم تحياتي من عمق الألم، من رحم المعاناة، من صمت السنين الطويلة التي حاولت أن تطفئ نوركم، لكنها لم تفلح.
أنتم الذين كتبتم بالوجع تاريخاً، وبالصدق مستقبلاً، وبالمقاومة حبراً لا يجف.
في مثل هذا اليوم، الثاني والعشرين من نيسان عام 1898، أشرقت الكلمة الكوردية لأول مرة عبر جريدة كوردستان، وارتفعت في سماء القاهرة رايةٌ جديدة للكورد، لكنها لم تكن راية من حديد، بل من حبر وفكر.
في هذا اليوم، صدر العدد الأول من أول صحيفة كوردية في التاريخ، على يد المفكر والمثقف مقداد مدحت بدرخان، لتكون الكلمة سلاحاً، والحرف قلعة، والصحافة ولادة جديدة لروح الأمة الكوردية في عصرٍ كان يُراد لها فيه المحو والتهميش.
إننا اليوم، بعد 127 عاماً، لا نحتفل بمناسبةٍ تاريخية فحسب، بل نُحيي وجداناً جمعياً، ومسيرة وعيٍ قوميٍّ طويل، بدأت من مقالٍ صغير في جريدة كوردستان، ولم تنتهِ بعد، لأنها ما زالت تكتب… تكتب على جدران النسيان، على خرائط التآمر، وعلى ضمير العالم.
أيها الإخوة والأخوات..
إن عيد الصحافة الكوردية هو مناسبة نجدد فيها التزامنا بالحقيقة، ووفاءنا لدماء الشهداء، ولأحلام الذين رحلوا دون أن يروا كوردستان حرّة، لكنهم زرعوا بذرتها فينا.
وهو أيضاً يوم نحاسب فيه أنفسنا، ونتأمل طريقنا، ونُسائل واقعنا السياسي والاجتماعي والثقافي.
ونقولها بصدقٍ لا مواربة فيه:
إن وحدة الصف الكوردي باتت اليوم ضرورة وجود، لا مجرد شعار.
فما عادت التفرقة "وجهات نظر"، بل أصبحت نزيفاً يمزّق الجسد الكوردي من الداخل.
لا مستقبل للكورد بلا وحدة، ولا حرية دون مشروع قوميّ مشترك، يتجاوز الانقسامات الحزبية، ويعلو فوق الولاءات الضيّقة، ليحتضن الجميع في رؤية شاملة جامعة.
أيها الشعب الكوردي في كوردستان سوريا..
لقد كنتم دوماً شوكة في حلق الظلم، وأملاً متجدداً في قلب المعاناة.
وما زالت قضيتكم، رغم كل التضحيات، تُواجَه بالإقصاء والإنكار.
نجدّد في هذه المناسبة دعوتنا الصريحة والواضحة:
آن الأوان للاعتراف الدستوري بالشعب الكوردي في سوريا، بوصفه شعباً يعيش على أرضه التاريخية، مكوناً أصيلاً من مكونات البلاد، له ما لغيره، وعليه ما عليهم، دون وصاية أو انتقاص.
آن الأوان لإلغاء آثار الإحصاء العنصري لعام 1962، ذاك الجرح المفتوح في ذاكرة آلاف الكورد الذين حُرموا من الجنسية، ومن الأرض، ومن الكرامة.
آن الأوان لإعادة الحقوق إلى أصحابها، ولعودة المهجّرين إلى ديارهم، واسترجاع الأراضي المصادرة إلى أهلها، وإنهاء ملف "العرب المغمورين" بما يحقّق العدالة دون ظلم لأحد.
إن سوريا الجديدة، إن أرادت أن تكون دولةً لكل أبنائها، فعليها أن تعترف أولاً بما لحق ببعضهم من ظلمٍ تاريخي، وفي طليعتهم الشعب الكوردي، الذي وقف في وجه الإرهاب، وساهم في حماية البلاد من التطرّف والانقسام، وقدم من التضحيات ما لم يقدمه أحد.
أيها الكورد في كل مكان،
أيها الأحرار في كل الزمان،
إن قضيتنا ليست جزيرة معزولة، بل تتقاطع مع قضايا شعوب أخرى تنشد الحرية، في شرقٍ أوسطٍ مضطرب، يتبدل فيه كل شيء… إلا المظلومية الكوردية.
نحن لا نطلب المستحيل، بل نطلب ما هو بديهي في لغة الأمم:
أن نُعامل كشعب، لا كأقليات متناثرة؛
أن تُحترم لغتنا، لا أن تُحارب؛
أن نُكتب في الدساتير، لا أن نُمحى منها.
وللصحافة الكوردية، في هذا اليوم، نقول:
كوني حرّة، جريئة، صادقة؛
كوني سلطةً للناس، لا للأنظمة؛
كوني ضمير أمتنا، لا صدى مصالح حزبية.
فالمثقف، والصحفي، وصاحب الكلمة، ليس تابعاً، بل طليعة...
ولا قيمة لصحافةٍ لا تؤمن بأن الحرية هي الأصل، وأن الكلمة مسؤولة كما الرصاصة.
أيها الأحبّة،
لنجدد عهدنا في هذه المناسبة أن نكون أوفياء للحرف كما كنا أوفياء للبندقية، أن نكون أمناء على الحلم، كما كنا صامدين في الخنادق.
كوردستان ليست حلماً، بل مشروعٌ يتشكّل، يولد من بين الأنقاض، ويكتب تاريخه بحبر أبنائه ودمائهم.
كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الصحافة الكوردية.
كل عام وكوردستان أقرب إلى الحرية، أقرب إلى النور.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
21 نيسان 2025
د. عدنان بوزان