بقلم: د. عدنان بوزان
في عصر يشهد تحولات سياسية متسارعة وتغيرات عالمية معقدة، نجد أنفسنا أمام تحديات غير مسبوقة في الساحة السياسية، حيث تتقاطع مصالح القوى المحلية والدولية، وتتشابك القضايا الاقتصادية والاجتماعية في مشهد بالغ التعقيد. لم تعد الأحداث الكبرى التي تهيمن على المشهد السياسي في العالم مجرد أحداث عابرة، بل هي حلقات متواصلة من تغيرات ستحدد معالم المستقبل لعقود قادمة. وبينما يمر وطننا بمرحلة مفصلية في تاريخه، تبرز الحاجة الملحة لفهم عميق وشامل لهذه المتغيرات، وتقييم تبعاتها على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
إن ما يحدث اليوم هو نتاج تفاعلات طويلة المدى بين العوامل الداخلية والخارجية التي شكلت، ولا تزال، خارطة الطريق السياسية للدول والشعوب. في هذا السياق، لا يمكننا إغفال التأثيرات العميقة للأزمات الاقتصادية، والصراعات الباردة التي تستعر في الخفاء، والضغوط الدبلوماسية التي تُمارس على الحكومات لتبني مواقف معينة قد لا تكون دائماً في مصلحة الشعوب. وفي ظل هذا الواقع المعقد، يبرز السؤال الأهم: كيف يمكننا كأفراد وكأمة أن نواجه هذا الكم الهائل من التحديات؟
إن الوعي الكامل بأبعاد ما يحدث من حولنا هو الأساس في اتخاذ القرارات السياسية السليمة التي تضمن عدم الانزلاق في صراعات جديدة أو اتخاذ خطوات غير محسوبة قد تضر بمصلحة الوطن والمواطنين. يجب أن نفهم جيداً أن السياسة ليست مجرد لعبة للأقوياء، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب التفاعل البناء بين الحكومة والشعب. في هذه اللحظات الحرجة، لا يكفي أن نكون مراقبين للأحداث، بل يجب أن نكون فاعلين في تشكيل مصيرنا، وأن نكون مستعدين للتضحية من أجل تحقيق تطلعاتنا الوطنية.
القرار السياسي لا يتعلق فقط بالقرارات التي تصدر عن الحكومات، بل يرتبط بشكل وثيق بالمسؤولية الفردية لكل منا كمواطنين. فالتغيير الحقيقي يبدأ من الوعي السياسي الجماعي، والتفاعل المستمر مع القضايا التي تمس حياتنا اليومية. لا يمكننا أن ننتظر من القيادة السياسية أن تقدم حلولاً سريعة وشاملة لكل المشاكل، بل يجب أن نكون جزءاً من هذا الحل من خلال مواقفنا، وأصواتنا، وأفعالنا التي تعكس تمسكنا بمبادئ الديمقراطية، والعدالة، والمساواة.
في خضم هذا التغيير، يأتي دور الإعلام ليكون جسراً بين القوى السياسية والجماهير. فالإعلام لا يجب أن يكون مجرد ناقل للمعلومات، بل يجب أن يكون عاملاً مساعداً في تشكيل الوعي العام، وتوجيه النقاشات السياسية نحو قضايا تهم الشعب بشكل حقيقي. عندما نقول إن الإعلام هو السلطة الرابعة، فإننا نعني بذلك أنه يجب أن يكون صوتاً حقيقياً للشعب، في الوقت الذي يعكس فيه تحدياتهم وطموحاتهم وآمالهم.
اليوم، ونحن نشهد كل هذه المتغيرات على مستوى الساحة المحلية والدولية، لا بد لنا من أن نأخذ خطوة إلى الوراء لنعيد تقييم مواقفنا، وننظر إلى المستقبل بعين منفتحة وواقعية. لننظر إلى المعطيات على أرض الواقع، ونعمل على بناء استراتيجية سياسية شاملة تضمن لنا الاستقرار والازدهار في هذه الظروف المعقدة.
إن ما نعيشه الآن هو اختبار حقيقي لحكمتنا السياسية، وحينما نواجه الأزمات بصبر وثبات، نكون قد حققنا أولى خطوات التغيير الجذري. فالقوة الحقيقية للدولة لا تكمن في قوة جيشها أو اقتصادها فقط، بل في وحدة شعبها ووعيها السياسي. وعليه، فإن الطريق إلى النجاح والتقدم يبدأ من تفهمنا العميق لما يجري من حولنا، والقدرة على التحليل الدقيق للأحداث، ومن ثم اتخاذ قرارات مدروسة تساهم في تحسين واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
في النهاية، علينا أن نعلم أن السياسة هي أكثر من مجرد صفقة بين القوى المتنافسة، بل هي فلسفة حياة تسعى إلى تحقيق العدالة، والمساواة، والسلام الاجتماعي. ومن هنا، فإن دورنا كمجتمع سياسي واعٍ هو السعي المستمر نحو بناء وطن قوي يعتمد على قيم الوحدة، التضامن، والمصلحة العامة.