إنّ الشعب السوري عامةً، والشعب الكوردي جزء أصيل منه، قد خاض عقداً وأكثر من المآسي والآلام، ودفع أثماناً باهظة في سبيل حريته وكرامته. لقد عانى هذا الشعب من القتل والتهجير والتدمير، ومن الظلم والإقصاء والتهميش، حتى باتت سوريا اليوم جرحاً نازفاً في قلب المنطقة والعالم.
لقد أظهرت السنوات الماضية أن الحلول المؤقتة، والتسويات الهشّة، والتفاهمات السطحية، لم تكن سوى مسكنات لأزمةٍ عميقة، تزيد من تفاقمها ولا تضع حدّاً لها. هذه الحلول لم تكن إلا محاولات التفاف على مطالب الشعب الحقيقية، ومساعٍ يائسة لإعادة إنتاج الاستبداد بصور مختلفة، بينما بقيت القوى الفاعلة، داخلياً وخارجياً، تتلاعب بمصير سوريا وفقاً لمصالحها الضيقة، غير آبهة بمعاناة السوريين وتطلعاتهم المشروعة.
إننا اليوم، وبعد كل ما جرى، نؤكد أن الحل الوحيد المقبول هو حلٌّ جذريٌ دائم، لا مكان فيه لأنصاف الحلول، ولا لترقيعات سياسية تحفظ مصالح الطغاة وتعيد تدوير المأساة. إن أي مشروع لا يؤدي إلى تحقيق العدالة، وإنصاف الضحايا، وإنهاء الظلم، وضمان حقوق جميع المكونات السورية، هو حلٌّ مرفوض. لن نقبل بوعود زائفة، ولا بمفاوضات عقيمة تفضي إلى إعادة إنتاج الواقع الكارثي ذاته.
إما حلٌّ شامل، يُنهي هذا النزاع وفق أسس عادلة تضمن الحرية والكرامة لكل السوريين، مع ضمان حقوق جميع المكونات السورية دستورياً على أساس العدالة والديمقراطية والتعددية وفق العهود والمواثيق الأمم المتحدة، أو فإن خيار التقسيم يصبح الحل الأكثر واقعية. إن استمرار حالة الجمود السياسي، والإبقاء على دولةٍ فاشلةٍ متصدعة، ليس إلا وصفة لاستمرار المعاناة والنزيف البشري والاقتصادي. وإذا كانت وحدة سوريا تعني استمرار الظلم والتهميش، وإذا كانت تعني بقاء الحكم الجهادي الاستبدادي والإقصائي، فإن التقسيم يصبح أهون الشرّين.
على القوى الدولية والإقليمية أن تدرك أن سوريا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يُدعم حلٌّ سياسيٌ عادلٌ وشاملٌ ينهي هذه المأساة، أو أن يُترك الشعب السوري ليقرر مصيره بنفسه، حتى لو كان ذلك يعني إعادة رسم الخريطة الجغرافية والسياسية للبلاد وفق معطيات الواقع الجديد.
لقد آن الأوان لوضع حدٍّ لهذا العبث بمصير السوريين. لن نقبل بأن نكون مجرّد ورقة في صراعات الآخرين، ولن نبقى رهائن لحسابات دولية وإقليمية تتجاهل حقوقنا وتطلعاتنا. الحرية حقٌّ غير قابل للتفاوض، والعدالة مطلبٌ غير قابل للمساومة، والكرامة مبدأ لا يقبل التأجيل. وإن لم تتحقق هذه المبادئ في إطار دولة واحدة عادلة، فليكن هناك كيانٌ سياسيٌّ يضمن لكل مكوّن حقوقه المشروعة دون قهر أو تهميش.
التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تموت، وحقوق الأمم لا تسقط بالتقادم. القضية السورية لن تُطوى في سجلات النسيان، فإما أن تُحلّ حلاً عادلاً، أو فإن إرادة الشعوب ستفرض واقعاً جديداً، مهما حاول البعض تأجيله أو إنكاره.
25 آذار 2025
د. عدنان بوزان