التحاليل السياسية
اغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي: صراع داخلي بدعم خارجي أم تآمر داخلي؟
بقلم: د. عدنان بوزان
اغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية وحاشية الوفد المرافق له على حدود أذربيجان يمثل حدثاً هائلاً في السياق السياسي الإيراني والدولي. هذه الحادثة تفتح الباب لتأمل وتحليل عميق للدوافع المحتملة وراء هذا الاغتيال والتداعيات التي قد تنجم عنه.
أولاً، إبراهيم رئيسي كان شخصية محورية في السياسة الإيرانية، ويتمتع بعلاقات موسعة مع روسيا وبعض الدول الأخرى. هذه العلاقات القوية جعلته شخصية غير مرغوب فيها بالنسبة لبعض القوى العالمية التي تعتبر النفوذ الإيراني تهديداً لمصالحها. اغتياله يمكن أن يكون محاولة لضرب تلك العلاقات وتوجيه رسالة قوية إلى تلك الدول بأن حلفاء إيران ليسوا بمنأى عن الاستهداف.
ثانياً، كان رئيسي يُعَد البديل الأبرز لخلافة المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي تجاوز الثمانين من عمره. استعداد النظام الإيراني لتسليم القيادة إلى رئيسي يشير إلى الثقة الكبيرة في قدراته وإلى أهمية استمرارية النهج السياسي للمرشد الأعلى. اغتياله يمكن أن يُنظر إليه كجزء من صراع داخلي على السلطة، حيث قد تكون هناك أطراف داخل النظام الإيراني ترى في غياب رئيسي فرصة لتعزيز نفوذها. المنافسة بين رئيسي وابن خامنئي، مجتبى، تعتبر من أبرز مظاهر هذا الصراع الداخلي. مجتبى خامنئي قد يكون مستفيداً محتملاً من هذا الاغتيال إذا كان يسعى لتعزيز فرصه في خلافة والده.
ثالثاً، كل الواقعة السياسية تشير إلى تورط مجتبى خامنئي في هذا الاغتيال تثير تساؤلات كبيرة حول طبيعة الصراعات الداخلية في إيران. إذا كانت هذه الاتهامات صحيحة، فإنها تشير إلى مستوى عالٍ من التعقيد والدسائس داخل النظام الإيراني. مجتبى خامنئي، الذي يُعرف بنفوذه الواسع داخل الحرس الثوري ومؤسسات الأمن، قد يرى في اغتيال رئيسي فرصة لتوطيد سلطته وإزالة منافس قوي من طريقه إلى السلطة.
رابعاً، لا يمكن إغفال التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل. المواجهات الأخيرة بين الدولتين، خاصة تلك المتعلقة بالعمليات السرية والهجمات السيبرانية، تؤكد أن إسرائيل تعتبر إيران تهديداً كبيراً لأمنها. اغتيال رئيسي يمكن أن يُفسر كجزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى إضعاف القيادة الإيرانية والحد من نفوذها في المنطقة، وخاصة في سوريا حيث تتصاعد الأنشطة الإيرانية.
من جانب آخر، الصراع المستمر بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني يشكل عاملاً آخر يمكن أن يُفسر هذا الاغتيال. الولايات المتحدة تعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديداً مباشراً لأمنها ولأمن حلفائها في المنطقة. التخلص من رئيسي، الشخصية المؤثرة في النظام الإيراني، يمكن أن يُنظر إليه كخطوة نحو إضعاف قدرة إيران على التفاوض من موقع قوة، وكذلك تقليل خطر تصعيد نووي محتمل.
تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي أدى إلى مقتله والوفد المرافق له، كان حدثاً غير متوقع صدم الرأي العام المحلي والدولي. هذا الحدث له تداعيات كبيرة على توازن القوى داخل نظام الجمهورية الإسلامية، بغض النظر عما إذا كان تحطم الطائرة ناتجاً عن سوء الأحوال الجوية أو نتيجة مؤامرة داخلية أو خارجية.
اغتيال رئيسي المفاجئة تخلق فراغاً في السلطة، خاصة إذا كان يُعتبر خليفة محتملاً للمرشد الأعلى علي خامنئي. غيابه قد يؤدي إلى ارتباك مؤقت في النظام حتى يتم تحديد خليفة واضح له. رئيسي كان جزءاً من النواة الصلبة للسلطة، وشغل مناصب أمنية وقضائية مهمة. وفاته قد تؤدي إلى إعادة ترتيب داخل النخبة الحاكمة، وإمكانية بروز شخصيات جديدة أو عودة أخرى كانت على الهامش.
النظام لم يكن مستعداً لإجراء انتخابات رئاسية جديدة قريباً، حيث إن الانتخابات النيابية كانت على الأبواب، مما يزيد من تعقيد الوضع ويضع النظام في موقف حرج. غياب رئيسي يضع النظام في موقف ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما قد يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويضعف من الاستقرار الحكومي مؤقتاً. مع أن رئيسي كان رمزاً للتيار الراديكالي، فإن وفاته قد لا تؤدي إلى فتح المجال أمام الإصلاحيين والمعتدلين. النواة الصلبة للنظام ستظل تسعى للحفاظ على قبضتها على السلطة ومنع أي تغييرات جوهرية.
اغتيال رئيسي تعزز فرص مجتبى خامنئي، نجل المرشد، كخليفة محتمَل لوالده. مع الخيارات المحدودة لخلافة خامنئي، يزداد التركيز على تأهيل مجتبى لهذا الدور. هناك عقبات أمام جعل ولاية الفقيه وراثية، أبرزها اعتراض بعض رجال الدين وكبار المسؤولين في النظام. ومع ذلك، فإن وفاة رئيسي قد تقلل من هذه العقبات نسبياً، مما يزيد من جدية السيناريو الوراثي.
في ظل الارتباك الحالي، يحاول خامنئي إدارة العواقب وتهدئة الوضع لضمان انتقال سلس للسلطة التنفيذية. سيعمل على تعيين خليفة لرئيسي خلف الكواليس قبل الانتخابات لضمان استقرار النظام. النظام سيستغل وفاة رئيسي لتأجيج العواطف وتوحيد الصفوف، وربما محاولة تقديم شخص من نفس التيار الراديكالي لضمان استمرار النهج والسياسات التي كان يتبعها رئيسي.
حتى يتم انتخاب رئيس جديد وتشكيل الحكومة الرابعة عشرة، ستكون السلطة التنفيذية معلقة. هذا التعليق قد يؤدي إلى اضطرابات في إدارة البلاد وتفاقم الأزمات الحالية. من غير المتوقع أن تصبح الانتخابات المقبلة أكثر انفتاحاً، بل قد تكون تنظيمية وصورية لضمان بقاء النواة الصلبة مسيطرة على السلطة.
تحطم طائرة رئيسي له تأثيرات واسعة على النظام السياسي الإيراني. فراغ السلطة وتداعياته قد تؤدي إلى إعادة ترتيب في هرم السلطة، مع احتمال تعزيز فرص مجتبى خامنئي كخليفة لوالده. على المدى القريب، قد يواجه النظام تحديات في إدارة الانتقال والحفاظ على الاستقرار، لكن النظام سيحاول استغلال الوضع لتوحيد الصفوف والسيطرة على العملية الانتخابية.
اغتيال إبراهيم رئيسي المفاجئة وضعت النظام الإيراني في موقف حساس. النواة الصلبة للنظام، التي اعتمدت على رئيسي كجزء من خطتها المستقبلية، تجد نفسها الآن مضطرة لإعادة تقييم خياراتها وإعادة تنظيم الصفوف. هذا الحدث ليس مجرد حادث عابر، بل له تأثيرات عميقة على استقرار النظام وأمنه.
في الفترة القصيرة المقبلة، سيعتمد النظام على استغلال الشعور بالصدمة والحزن لتوحيد قاعدته ودفع الناس نحو مزيد من التماسك حول القيادة الحالية. تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي تشير إلى محاولة تهدئة الوضع والتأكيد على أن غياب رئيسي لن يسبب تعطيلاً لمؤسسات الحكم والأنشطة الحكومية. لكن هذه الطمأنة ليست كافية للتخفيف من الأزمات السياسية التي قد تترتب على غياب رئيسي.
إدارة الانتقال ستكون مهمة صعبة ومعقدة. خامنئي سيحاول تعزيز التماسك الداخلي من خلال تعيين شخص يثق به لملء الفراغ الذي تركه رئيسي. هذا الشخص قد يكون من التيار الراديكالي نفسه لضمان استمرار السياسات الصارمة التي اتبعها رئيسي. ومع ذلك، فإن العثور على خليفة يتمتع بنفس القدر من الولاء والقدرة على التنفيذ لن يكون سهلاً.
من ناحية أخرى، سيتعين على النظام التعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة. الفترة الانتقالية هذه قد تؤدي إلى زيادة التوترات والاحتجاجات بين صفوف الشعب الذي يشعر بالإحباط من الوضع الاقتصادي والسياسي. النظام سيحتاج إلى اتخاذ تدابير حاسمة لضمان عدم تفاقم الأوضاع.
الخلافة المحتملة لمجتبى خامنئي أصبحت أكثر وضوحاً بعد وفاة رئيسي. النظام قد يميل إلى تسريع عملية توريث السلطة لضمان استقرار الحكم في مرحلة ما بعد خامنئي. هذا القرار قد يواجه معارضة داخلية من قبل بعض رجال الدين والشخصيات السياسية، ولكنه يعكس حاجة النظام إلى حل سريع لمشكلة القيادة.
في هذا السياق، سيظل النظام الإيراني يسعى للحفاظ على قبضته الحديدية على السلطة، ولن يسمح بأي تحركات قد تهدد استقراره. الانتخابات القادمة ستكون محورية في تحديد الاتجاه الذي سيسير فيه النظام. إذا نجح النظام في إجراء انتخابات سلسة بدون اضطرابات كبيرة، فقد يتمكن من الحفاظ على استقراره لفترة أطول. ولكن إذا فشلت هذه الانتخابات في تقديم حل مقبول للنخبة الحاكمة وللشعب، فقد تواجه إيران فترة من الاضطرابات وعدم الاستقرار.
بمجمل الأحداث، فإن اغتيال إبراهيم رئيسي تُعد ضربة قوية للنظام، ولكنها أيضاً فرصة لإعادة ترتيب الأولويات وإعادة تقييم الاستراتيجيات لضمان بقاء النظام وتماسكه في وجه التحديات الداخلية والخارجية.
هذا الحدث يأتي في توقيت حساس حيث تتداخل جميع هذه العوامل مع بعضها البعض، مما يزيد من تعقيد الوضع ويجعل من الصعب تحديد الجهة المسؤولة بشكل قاطع. لكن الواضح هو أن اغتيال رئيسي سيترك فراغاً في القيادة الإيرانية، مما قد يؤدي إلى إعادة ترتيب التحالفات داخل النظام وربما يزيد من حدة الصراعات الداخلية. كما يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية، خاصة إذا ما تم الربط بين هذا الاغتيال وبين التحركات الإسرائيلية أو الأمريكية في المنطقة.
في النهاية، اغتيال رئيسي يمثل ضربة قوية للنظام الإيراني، ويفتح الباب أمام فترة من عدم الاستقرار قد يكون لها تداعيات واسعة على مستوى السياسة الداخلية والخارجية لإيران. ستكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد مسار الأحداث وفي فهم التأثيرات الكاملة لهذا الاغتيال على المنطقة والعالم.