لنا رأي آخر : كوباني: صراع الهوية والتاريخ في وجه التغييرات القسرية
بقلم: د. عدنان بوزان
"لا وألف لا لتغيير اسم كوباني"
في عالم يزداد فيه التغير سريعاً، وفي زمنٍ تتبدل فيه الأسماء والهويات، يقف أبناء كوباني صامدين في وجه محاولات تغيير اسم مدينتهم، معتبرين ذلك مساساً بجوهر هويتهم وتراثهم الذي خُط بدماء الأجداد وأُسس على مر التاريخ. التغيير الذي أقدمت عليه الإدارة الذاتية مؤخراً بتبديل اسم كوباني إلى "الفرات" ليس مجرد تحديث إداري، بل يُعد تعدياً على تاريخ المدينة ورمزيتها في قلوب أبنائها.
كوباني، التي وقفت خط الدفاع الأول في وجه الإرهاب والتطرف، وشهدت المعارك الطاحنة والخراب والدمار، ومع ذلك لم تفقد روحها ولا نكهتها الثقافية التي تعود جذورها إلى عمق التاريخ الكوردي. لذا، يرى كثيرون أن هذا التغيير هو بمثابة محاولة لطمس هذه الهوية وتنفيذ مخططات تعود إلى عهد النظام البعثي، مثل مشروع الحزام العربي الذي كان يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للمناطق الكوردية.
إن التلاعب بالأسماء والهويات ينطوي على خطورة تغيير الذاكرة الجماعية وإعادة كتابة التاريخ بما يتوافق مع رؤية السلطات الحالية، دون احترام للتاريخ والحقائق الثقافية التي عاشتها المدينة. يتعين على الإدارة الذاتية أن تدرك أن الاستقرار والوحدة يأتيان من خلال الاحترام المتبادل للتاريخ والهويات، لا من خلال إعادة تشكيلها بما يخدم أجندات سياسية ضيقة.
يجب على جميع الفصائل والأطراف السياسية في المنطقة أن تعي هذه الحقائق وتعمل على حماية التراث الثقافي والتاريخي لكوباني، معترفين بالدور البطولي الذي لعبته هذه المدينة في مواجهة أعتى التحديات. الدفاع عن الهوية لا يقتصر فقط على المعارك الفعلية في الساحات، بل يمتد ليشمل الحفاظ على الأسماء والرموز التي تعبر عن الروح الأصلية لهذه المناطق.
"لا وألف لا" ليس فقط رفضاً لتغيير اسم كوباني، بل هو دعوة لكل من يهمه الأمر للوقوف صفاً واحداً في وجه محاولات طمس الهوية وتزوير التاريخ. هذه المدينة، التي أصبحت رمزاً للمقاومة والصمود، يجب أن تحتفظ بأسمائها ومعالمها كشاهد على تاريخها العريق وكفاح شعبها.
الدعوة للحفاظ على اسم كوباني هي دعوة لاحترام التنوع الثقافي والتاريخ المشترك الذي يجب أن يكون أساساً لأي مجتمع يسعى نحو السلام والاستقرار. التاريخ لا يمكن أن يُمحى بقرار إداري، ولا يمكن للهويات أن تُعاد صياغتها بمجرد تبديل الأسماء. كوباني ليست مجرد مكان، بل هي حكاية شعب، وذاكرة جماعية، ورمز للمقاومة والأمل.
إن الأهمية التي تحملها كوباني تتجاوز الحدود الجغرافية لتصبح رمزاً عالمياً للنضال في وجه الظلم والتطرف. الاستجابة لمطالب تغيير اسمها هو تجاهل لهذه الرمزية ومحاولة لتبديد الجهود التي بذلتها الأجيال في الدفاع عن حريتها وكرامتها.
لذلك، يجب على كل من يقف في وجه هذا التغيير أن يرفع صوته عالياً ويدافع بشراسة عن حقه في الحفاظ على تاريخه وهويته. النضال ليس فقط لأجل حاضرنا، بل أيضاً لضمان أن تبقى الأجيال القادمة على دراية كاملة بجذورها وماضيها الذي شكّل وجودها ومستقبلها.
"لا وألف لا لتغيير اسم كوباني" ليس فقط شعاراً، بل هو التزام بالدفاع عن الهوية والتراث في وجه كل التحديات. لنقف معاً، نحن شعب كوباني وأصدقاؤه حول العالم، لنؤكد أن هويتنا لا تقبل التعديل وأن تاريخنا ليس للبيع أو للتبديل.
التغيير الذي تم في تسمية مدينة كوباني إلى "الفرات" يثير العديد من الأسئلة والشكوك حول الدوافع والأهداف الحقيقية وراء هذه الخطوة. على السطح، قد يبدو هذا التغيير كجزء من مسعى إداري للتوحيد أو ربما لإعادة تموضع الهوية الجغرافية للمنطقة. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل السياق التاريخي والسياسي الذي يحيط بكوباني، وهي مدينة تعتبر رمزاً للمقاومة والنضال الكوردي.
أولاً، إذا كان الهدف هو إعادة تسمية المناطق بناءً على القرب من نهر الفرات، فإن هناك بالفعل عدة مدن أقرب جغرافياً إلى النهر من كوباني ، مثل منبج، الطبقة، الرقة، ودير الزور. لماذا تم اختيار كوباني دون غيرها لهذا التغيير الجذري في الاسم؟ هذا يطرح فرضيات عديدة قد تشير إلى دوافع ذات طابع سياسي أو عرقي، خاصة في ظل الظروف التاريخية لمحاولات تغيير الديموغرافيا في المنطقة.
ثانياً، الإشارة إلى أن هذا التغيير هو مجرد تعديل في السجلات الإدارية قد لا يقلل من تأثيره العميق على هوية المدينة وإرثها. الأسماء تحمل دلالات ومعاني تتجاوز الحروف المكتوبة على الخرائط؛ فهي تمثل الذاكرة والتاريخ والنضال. عندما يأتي وفد دولي أو تُذكر المدينة في الأخبار، ستكون الإشارة إلى "الفرات" بدلاً من كوباني تآكلاً لهذا الجزء الحيوي من هوية المدينة وتراثها.
ثالثاً، التفسير بأن هذا التغيير قد يكون بمثابة إرضاء لأطراف خارجية مثل تركيا يضيف طبقة أخرى من التعقيد. تركيا، التي لديها تاريخ طويل من الصراع مع الكورد سواء على أراضيها وفي المناطق المجاورة، قد ترى في تغيير اسم كوباني محواً لرمزية الكفاح الكوردي التي أصبحت مرتبطة بهذه المدينة على وجه الخصوص.
في النهاية، تغيير اسم كوباني يمكن أن يُنظر إليه كمحاولة لإعادة كتابة التاريخ وتجاهل النضالات التي خاضها شعبها. إنه يشير إلى نزعة تهدف إلى طمس الهوية الكوردية وتاريخ مدينة كانت بمثابة قلعة منيعة في مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية الكبرى. يُظهر هذا التغيير انعداماً للحساسية تجاه معاناة وتضحيات الشعب الكوردي، ويعتبره الكثيرون بمثابة تهديد لاستمرارية تراثهم الثقافي والتاريخي.
من الضروري للمجتمع المحلي والدولي أن يدركوا الدلالات العميقة لمثل هذه الأفعال، وأن يقفوا ضد أي محاولات لإعادة تشكيل هويتهم دون موافقتهم. الدعوة للحفاظ على اسم كوباني ليست مجرد معركة لغوية أو إدارية، بل هي صراع من أجل الحق في الحفاظ على الذاكرة التاريخية والثقافية التي تُشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية الكوردية.
يتعين على المنظمات الدولية والمجتمعات المعنية أن تتخذ موقفاً واضحاً ضد هذه التغييرات القسرية في الأسماء التي تهدف إلى إمحاء جزء من تاريخ وهوية شعب بأكمله. من الأهمية بمكان أن تُسمع أصوات الأحرار وأن تُحترم رغباتهم في الحفاظ على ذاكرتهم الجماعية ومعالمهم التاريخية.
تغيير اسم كوباني يُعد بمثابة جرس إنذار لكل من يهتم بحقوق الإنسان والتنوع الثقافي والحق في الحفاظ على الهوية الذاتية. إنه يستدعي مقاومة جادة ومنظمة لضمان أن لا تضيع هويات المدن وتاريخها في ظل السياسات التي تتبنى أجندات تخدم مصالح ضيقة على حساب الثقافات والتاريخ المحلي.