لنا رأي آخر: آفاق مستقبل سوريا وقيادتها
بقلم: د. عدنان بوزان
عندما نتحدث عن من يقود سوريا وما مستقبلها، نجد أنفسنا أمام موضوع شائك ومعقد يتطلب نظرة شاملة وفهماً عميقاً للعديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، شهدت البلاد تغييرات جذرية في هيكل السلطة وأشكال الحكم، مما أدى إلى انقسامات عميقة في المجتمع السوري وصراع مستمر على النفوذ والسيطرة.
في الوقت الراهن، يمكن القول إن القيادة السورية تتمحور حول نظام بشار الأسد، الذي لا يزال في السلطة على الرغم من التحديات الضخمة التي واجهها. بعد سنوات من الحرب التدميرية، تمكن النظام من استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية بدعم من حلفائه الرئيسيين، إيران وروسيا. هذه الشراكة الاستراتيجية لم تقتصر على الدعم العسكري، بل تمتد أيضاً إلى الدعم السياسي والاقتصادي، مما يعزز موقف الأسد في سياق الصراع القائم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يعتبر بشار الأسد القائد الفعلي لسوريا في ظل هذا السياق المعقد؟ الواقع يشير إلى أن الأسد، رغم سيطرته على السلطة، يواجه معارضة داخلية وخارجية. فهناك قوى متعددة تسيطر على أجزاء من البلاد، بما في ذلك الجماعات المسلحة والقسد والمقاتلون الكورد الذين يسعون إلى حكم ذاتي، وكذلك التنظيمات الجهادية مثل "هيئة تحرير الشام".
هذا التشرذم يعكس واقعاً متشابكاً من المصالح المتعارضة، حيث يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه الخاصة. ومع ذلك، يبقى الأسد هو القائد المعترف به دولياً، على الأقل من قبل عدد من الدول مثل روسيا وإيران. هذا الاعتراف يمكّنه من البقاء في السلطة، لكنه في الوقت نفسه يثير التساؤلات حول شرعيته ومستقبل حكمه.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن ملاحظة أن المستقبل السياسي لسوريا يعتمد إلى حد كبير على التطورات الإقليمية والدولية. على الصعيد الإقليمي، تؤثر العلاقات بين إيران وإسرائيل بشكل كبير على الأوضاع في سوريا، حيث تسعى إسرائيل إلى الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. وبالتالي، قد تتعرض الأراضي السورية لمزيد من الصراعات نتيجة لهذه الديناميات المعقدة، مما يزيد من تعقيد مستقبل البلاد.
في السياق الدولي، يتفاوت الموقف من الأزمة السورية بين الدول. الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية لا تزال تعارض نظام الأسد، مما يجعل من الصعب تصور أي شكل من أشكال التطبيع مع المجتمع الدولي في ظل حكمه. هذا الوضع يضع ضغوطاً على النظام ويجعل من الصعب تحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث تحتاج سوريا إلى إعادة بناء بنيتها التحتية وتقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها.
على الصعيد الداخلي، تبقى مسألة الوحدة الوطنية تحدياً كبيراً. فقد أضعفت سنوات الحرب والصراع الروابط الاجتماعية وأدت إلى تزايد الانقسام بين مختلف المجموعات العرقية والدينية. هذا الانقسام يعيق إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، ويزيد من صعوبة تحقيق المصالحة الوطنية.
إذا نظرنا إلى المستقبل، يمكن القول إن هناك عدة سيناريوهات محتملة. السيناريو الأول هو استمرار حكم الأسد في ظل الدعم الإيراني والروسي، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات والانقسامات الداخلية. السيناريو الثاني هو حدوث تغيير جذري في موازين القوى، مما قد يفضي إلى صعود قوى جديدة أو انقلاب عسكري قد تؤدي إلى إعادة تشكيل النظام السياسي في البلاد.
في الختام، فإن مستقبل سوريا معقد وغامض، ويتأثر بعوامل داخلية وخارجية متشابكة. القيادة الحالية لنظام الأسد تواجه تحديات كبيرة، والمستقبل يتطلب تفكيراً جاداً حول كيفية تحقيق الاستقرار والسلام في ظل الأوضاع الحالية. يجب أن يتم التركيز على تعزيز الحوار الوطني والمصالحة لضمان مستقبل آمن ومزدهر للشعب السوري. إن استعادة الثقة بين مختلف الأطراف ومراعاة تطلعات الشعب السوري ستكون مفتاحاً للوصول إلى حل سلمي يمكن أن يقود البلاد نحو الاستقرار والازدهار.