صرخة الحرية في وجه الاستبداد

بقلم: د. عدنان بوزان

في كل زاوية من زوايا هذا العالم المترامي الأطراف، تتردد أصداء صوت الحرية، صوت لا يمكن إسكاته مهما حاولت الأنظمة القمعية تسطير صفحات الظلم والتنكيل. الحرية هي الشريان النابض في جسد الإنسانية، هي النفس الأول الذي يستنشقه الإنسان عند ولادته، وهي النفس الأخير الذي يودع به هذا العالم. إنها ذلك الشعور العميق الذي لا يمكن شراؤه أو سرقته، لأنها ببساطة جزء لا يتجزأ من كينونة الإنسان ووجوده.

الحرية هي الحق الطبيعي والأصيل لكل فرد. إنها ليست هبة تُمنح من الحاكم أو الدولة، بل هي حق مكتسب يولد مع الإنسان ويعيش معه حتى لحظة وفاته. ومع ذلك، فإن التاريخ مليء بحكايات الشعوب التي خنقتها القبضة الحديدية للأنظمة القمعية، والتي حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن تمحو آثار الحرية من نفوس البشر.

تلك الأنظمة القمعية، التي تبني عروشها على أساس القهر والاستبداد، تعتقد واهمة أنها تستطيع إخماد نار الحرية بإغلاق الأبواب والزنازين، وبنشر الخوف والرعب في كل زاوية. لكنها تغفل عن حقيقة بديهية: الحرية هي طائر لا يُحبس، وروح لا تُقيد، ونور لا يُطفأ. إنها الشهقة الأولى التي تخرج من أعماق المظلومين والمقموعين، لتعلن بصوت عالٍ عن بداية النهاية لكل طاغية ومستبد.

إن صرخة الحرية في وجه الأنظمة القمعية ليست مجرد رد فعل، بل هي صرخة وجودية تعبر عن توق الإنسان العميق للكرامة والعدالة. إنها تعبير عن الرغبة الفطرية في العيش بكرامة وبدون خوف. إن الشعوب التي تُحرم من حريتها لا تبقى صامتة إلى الأبد، بل تنفجر في وجه الظلم، وتثور كالبركان، لتطالب بحقها الأصيل في حياة حرة وكريمة.

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو ما شهدناه في العقد الماضي من ثورات الربيع العربي، حيث خرجت الملايين من الرجال والنساء إلى الشوارع، يهتفون بشعارات الحرية والكرامة والعدالة. تلك الشعوب التي كانت ترزح تحت نير الاستبداد لعقود طويلة، أدركت في لحظة فارقة أن الصمت لم يعد خياراً، وأن الحرية تستحق التضحية بالغالي والنفيس.

ورغم ما واجهته تلك الثورات من قمع دموي ومحاولات شرسة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فإن روح الحرية لم تُهزم. لقد أظهرت تلك اللحظات الثورية أن الحرية أقوى من كل جيوش الطغاة، وأن إرادة الشعوب لا تُقهر. قد يتمكن النظام القمعي من تأجيل لحظة الحقيقة، لكن لا يمكنه إلغاءها. فالحرية، كما قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، هي "الإرادة في القوة"، وهي القدرة على تجاوز القيود والتحليق عالياً نحو السماء المفتوحة.

إن الأنظمة القمعية، في سعيها اليائس للحفاظ على السلطة، تنسى أن الحرية لا يمكن إلغاؤها بمرسوم أو قانون. إنها تتجذر في النفوس، وتنتظر اللحظة المناسبة لتظهر في أجمل صورها. وكلما زاد القمع، كلما اشتدت رغبة الشعوب في التحرر. إنها معادلة تاريخية أثبتت صحتها مراراً وتكراراً.

وفي الختام، يمكننا القول إن صرخة الحرية في وجه الأنظمة القمعية هي نبض الحياة، هي الإعلان الصارخ عن حق الإنسان في أن يعيش حراً كريماً. إنها تذكير دائم بأن الحرية ليست مجرد كلمة، بل هي جوهر وجودنا. وعلى الرغم من كل محاولات القمع والاستبداد، فإن شعلة الحرية ستظل مشتعلة، تضيء دروب الأمل وتبشر بمستقبل أفضل. فالحرية، في نهاية المطاف، هي القدر المحتوم للإنسان، وهي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو محوها. والذين ينكرون ذلك، إنما يحكمون على أنفسهم بالفشل والزوال.

X

تحذير

لا يمكن النسخ!