بين سراب الأمل وحقيقة الحلم

بقلم: د. عدنان بوزان

في عالمٍ يغفو تحت ستار الليل الحالك، حيث تتهادى الأحلام على أجنحة الأمنيات المتعبة، وقف الحلم هناك، بعيداً، شامخاً كقلعة منسية تحاصرها ضبابية الأيام. كانت عيونه تغرق في بحرٍ من الدموع، دموع ثقيلة تحمل عبء الآمال المكسورة والأوجاع التي لا تُحصى. لكن حتى في أعماق تلك اليأس، كان ينتظر بصيص الأمل، يترقب ضوءاً خافتاً قد يشق طريقه خلال الظلمات ليعانق روحه المتعبة.

ماذا ننتظر نحن إذاً؟

نحن، المتجولون على شواطئ الحياة، نتساءل ونبحث عن معنى في كل شروق وغروب. هل ننتظر إشارةً ما؟ أم ربما ننتظر الأحلام التي أنهكها الطيران لتستريح أخيراً على كتفي الواقع؟

لكن الحقيقة، ربما، أبسط وأعمق في آنٍ معاً. نحن ننتظر أن نتعلم كيف نحلق بأجنحة مكسورة، كيف نبتسم وفي القلب جرحٌ ينزف، كيف نأمل حين لا يبقى للأمل مكان. ننتظر الشجاعة لنقف مرة أخرى، لنمسح دموعنا بأكمام الإصرار، ونقول للحلم البعيد: "ما زلنا هنا، ما زلنا ننتظر، لا لنراك تتحقق فحسب، بل لنكون جزءاً من تحقيقك".

في هذه الرحلة، حيث الألم والأمل يتصارعان، يكمن جمال الحياة. جمالها ليس في الوصول إلى النهايات السعيدة دائماً، بل في القدرة على النهوض بعد كل سقوط، وفي الإيمان بأن كل دمعة تحمل بذرة أمل، وكل حلم بعيد يحتاج فقط إلى قلوب جريئة تجرؤ على التقدم نحوه.

نعم، نحن لا ننتظر الحلم كي يقترب، بل نتقدم نحوه، خطوة بخطوة، بكل الشجاعة والأمل الذي نملك، مؤمنين بأن الفجر الجديد يحمل معه وعداً بأيامٍ أجمل، وأحلامٍ أقرب إلى القلب.

وفي كل خطوة نخطوها نحو الأحلام البعيدة، نزرع في الطريق بذور الإيمان والإصرار. نسقيها بعرق الجهد ودموع التحدي، لتنبت في وقتها أزهار النجاح وثمار السعادة. لا يهم كم مرة نتعثر أو نسقط، فالقيمة الحقيقية تكمن في النهوض مجدداً، في التشبث بالأمل حين يبدو كل شيء ضدنا.

لن ننتظر الأمل كأنه قدر محتوم يأتي دون جهد منا، بل نصنعه بأيدينا، ننحته من صخر اليأس، نشكله بإرادتنا وتصميمنا. الأمل ليس مجرد شعور ينتابنا، بل هو قرار نتخذه كل يوم، قرار بأن نواجه العالم بكل ما فيه من تحديات وصعاب.

نعم، الحلم وقف بعيداً، وعانت عيونه من شدة البكاء، لكنه لم يفقد الأمل. ونحن، بكل شجاعة وإيمان، نتبع خطاه. نتعلم من كل دمعة، نستمد قوتنا من كل خيبة، ونرى في كل يوم فرصة جديدة للتقدم، للنمو، ولتحقيق ما نحلم به.

في هذه الرحلة المليئة بالتحديات، نكتشف معنى الحياة الحقيقي. نكتشف أن السعادة لا تكمن في تحقيق الأحلام فحسب، بل في الرحلة نفسها، في كل لحظة نقضيها نحارب من أجل أحلامنا، في كل ضحكة تنبثق من بين الدموع، وفي كل قصة نجاح تبدأ بخطوة جريئة في مواجهة الخوف.

لذا، لن ننتظر أكثر. سنمسك بأيامنا بكل قوة، سنعيش كل لحظة بكل ما فيها من جمال وتحدي، وسنمضي قدماً نحو أحلامنا، مهما بدت بعيدة أو صعبة. لأننا في النهاية، نعلم أن الحياة تستحق كل هذا العناء، وأن الأحلام تستحق كل هذه الجرأة. وفي قلوبنا، يظل الأمل متقداً، يضيء دروبنا، ويدفعنا دائماً للأمام، نحو غدٍ أجمل.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!