رسالة إلى الفكر الضائع ...
بقلم: د. عدنان بوزان
أيها الغائبون في أروقة الفكر، في غياهب العلم، وعلى حدود الفلسفة، أكتب إليكم في هذا الصباح محملاً بأثقال القلب ورهافة العقل. أناديكم من وراء الأبعاد التي تفصل بين الواقع والمجاز، بين القانون والفوضى، وأسأل: أين تقفون؟
إني أرسل إليكم هذه الرسالة، ليست مجرد تحية صباحية أو نداء يتلاشى مع ضوء النهار، بل هي استفسارٌ عميق، بحثٌ مستمر عن جوهر الأشياء. هل تجدون أنفسكم ضائعين بين مطرقة العقل الذي يحلل وسندان القلب الذي يشعر؟ أم هل أنتم محاصرون في لعبة الشطرنج بين العلم والفلسفة، حيث كل خطوة تُحتَسب وكل تحرك يُفسّر؟
أنتم يا من تتلاشون في الأفق، أرسل إليكم هذه الكلمات لعلها تجد طريقها إلى قلوبكم وعقولكم. فكل صباح يحمل معه نوراً جديداً، وكل نور يكشف لنا زاوية مخفية في أعماقنا. أدعوكم للعودة، لا إلى حيث كنتم، ولكن إلى حيث يمكننا أن نلتقي مجدداً في مكان يسوده الفهم المتبادل والسعي نحو الحقيقة.
في هذه الرسالة، أصوغ دعوة لكل من ضاع بين الأسطر وبين النظريات والقوانين. إنها دعوة لاستعادة الأمل وإعادة تشكيل أفكارنا بحيث تتسع للجديد والقديم، لليقين والشك. أناشدكم أن نرتقي فوق الانقسامات الصارمة ونبحث معاً عن سبل للمعرفة والتفهم.
أيها الغائبون، هل تسمعون نداء الصباح؟ هل تشعرون بأنسام الفجر التي تحمل في طياتها رغبة عارمة في التفكر والتأمل؟ لنعد إلى الحوار، لنعد إلى التفاهم. لنجعل من كل صباح فرصة لنقشع ضباب الغموض ونبدد ظلال الجهل.
إن الصباح بوابة للأفق الجديد، ورسالتي هذه بمثابة مصباح يهدي سبيلنا في الظلام الذي يفصل بين المعرفة والجهل، بين العقل والقلب، وبين الحياة التي نعيشها وتلك التي نحلم بها. لتكن هذه الرسالة الصباحية جسراً يعبر بنا من عالم الاضطراب والتشتت إلى عالم النظام والاستقرار، من الشك إلى اليقين، ومن الانفراد إلى الاتحاد.
أيها الغائبون بين الأبعاد، تُعتبر الحياة رحلة بين المتناقضات والتفاصيل المعقدة. وفي كل خطوة من خطواتها، نواجه التحديات التي تجبرنا على الاختيار بين العلم والفلسفة، بين القانون والفوضى. هذه الاختيارات ليست سوى ألغاز تبحث عن حل، وأنتم الأحجار الكريمة المفقودة في هذا اللغز.
لنفتح عقولنا وقلوبنا للتأملات الصباحية التي تحمل في طياتها الأمل والإلهام. لنستخدم هذه اللحظات كنقطة تقاطع حيث يمكن للعلم والفلسفة أن يلتقيا بالقانون والفوضى في تناغم، لا في صراع. هذا التوازن الرقيق هو ما يعطي الحياة معناها ويجعل من كل يوم تحفة فنية يُمكن فهمها وتقديرها.
في هذا الصباح، أدعوكم لتكونوا كالفجر الذي يكسر ظلام الليل، لتكونوا النور الذي يضيء مسارات العقول المظلمة والقلوب الموجوعة. دعونا نبني معاً عالماً يرحب بالأفكار الجديدة دون خوف، عالماً يحترم الفروقات بيننا ويستفيد منها لخلق تناغم أكثر غنى وعمقاً.
أيها الغائبون، أنتم مدعوون لتكونوا جزءاً من هذه المحاولة الجماعية لاستعادة السلام الفكري والروحي. لنجعل من هذه الرسالة الصباحية نقطة انطلاق نحو فهم أعمق لأنفسنا وللعالم من حولنا. لتكن الكلمات مرايا تعكس أفضل ما فينا، ولتكن الأفكار جسور تواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل.
في هذا الصباح، ومع كل صباح، لنعد إلى التواصل، لنعد إلى النقاش، ولنعد إلى السعي المشترك نحو تلك الحقائق التي توحدنا جميعاً. أيها الغائبون، مهما كانت المسافات التي تفصل بيننا، فإن رسائل الصباح تحمل في طياتها القوة لتجمع شتات أرواحنا وأفكارنا. لنعمل معاً لتحقيق التوازن بين اليقين والشك، بين التقليد والابتكار، وبين الانضباط والحرية. لنستغل الصباح كمنصة لإطلاق العقل الإنساني نحو آفاق جديدة، نحو استكشافات تضيء ما هو مجهول وتبني جسوراً فوق ما هو مفروق.
أيها الغائبون، لا تبقوا في الظلال. العالم بحاجة إلى نوركم، إلى تفكيركم العميق وإحساسكم المرهف. دعونا نجعل من الخلافات مصدر إلهام ومن التحديات سلماً نعتليه نحو الأفضل. في كل صباح، تتاح لنا الفرصة لنعيد صياغة مستقبلنا، لننقح مساراتنا، ولنعيد كتابة القصة التي نرغب في أن تروى عنا.
دعونا نرسم معاً خارطة طريق تعترف بالتعقيدات وتحترم التنوع، خارطة تفتح المجال لكل صوت أن يُسمع، ولكل فكرة أن تُناقش. في هذا العالم، لا يُنظر إلى الاختلاف كعائق بل كثراء يُغني الحوار ويوسع الآفاق.
أيها الغائبون بين العقل والقلب، بين العلم والفلسفة، بين القانون والفوضى، أرسل إليكم هذه الرسالة كدعوة لكم للعودة إلى حيث يكون الحوار ممكناً والفهم متاحاً. لنستثمر في تلك اللحظات التي تجعل من الصباح موعداً مع التجديد والأمل.
لنقرر أن نكون سوية في هذا الصباح، وفي كل صباح، مهندسين لعالم يتسم بالرحمة والفهم، عالم يكرم العقل ويحتفي بالقلب، عالم يجمع بين النظام والحرية بحيث لا يغيب فيه ضوء الحقيقة. أيها الغائبون، ها هو الصباح يُناديكم، فهل أنتم مستعدون للإجابة على النداء؟