بقلم: د. عدنان بوزان
حين ينهض الحمار حاملاً القلم، تتحول الحروف إلى أصفاد تكبل العقول، والأوراق إلى مساجد خاوية لا يصلي فيها سوى الجهل، فيغدو الكتابة جريمة، والفكر مقبرة، والوطن ساحة يرقص فيها الغباء فوق جثث الحقيقة.
وإذا أمسك المجرم بالبندقية، تهتز الأرض من تحت أقدامه، وتصرخ السماء دماً على ظلمه، والرصاص ينهمر كمطر أسود، يقتل الطمأنينة قبل الأجساد، ويزرع في كل قلب خوفاً لا يشفى، فيصبح كل شارع جبهة، وكل بيت حصناً من الذعر، حتى يتحول الوطن إلى كابوس مستمر لا يفيق منه أحد.
أما الخائن في السلطة، فهو الثعبان الذي يبتلع الأحلام، ويقيد القانون بالحبال الحديدية للجبن والطمع، فينهش العدالة ويتركها عارية، مهشمة، أمام الجميع، فلا صوت يعلو سوى صدى خيانته، فتتحول المدن إلى صحراء بلا أمل، وأسماء الشوارع إلى رموز بلا روح، والناس إلى أرواح ضائعة تبحث عن وطن مات قبل أن يولد.
وإذا جلس الفساد على عرش الإدارة، تصبح المؤسسات أفراناً للصراع، تتكدس الملفات كأكوام جثث هامدة، وتصرخ القرارات في فراغٍ قاتل، ويبيع الموظفون الضمير كما يبيعون الخبز، فيصبح الوطن غابةً من الأشجار الميتة، تتساقط أوراقها على الأرض بلا حياة، ولا ينبعث منها صوت سوى صرير الخراب، صرخة الأرض على من هدمها.
أما الإعلام، ذلك القناع المزيف للوعي، فيتحول إلى مرآة مشوهة، يزين الزيف بالزينة، ويبيع الخيانة في عباءة الحقيقة، ويجعل الشعب يستهلك السم على أنه غذاء، فيموت العقل قبل الجسد، ويصبح الوطن زنزانةً يغتال فيها كل شعاع نور، ويغدو الضحك على الجريمة صكًّا للقتل اليومي للضمير.
حين تتقاطع هذه العناصر، يتحول الوطن إلى غابة بلا شمس، بلا ماء، بلا هواء، غابة من الخراب، تتقاذف فيها الأشجار الميتة الرياح المسمومة، والأرض تتشقق تحت أقدام البشر، والعقول تتفتت كأوراق يابسة في خريف أبدي، فلا يبقى سوى صدى الخيانة، وصوت الغابة التي ابتلعت كل حلم وغادرت الإنسان دون رحمة.
لكن الغابة ليست النهاية، فداخل كل حجر محطم، وكل قلب يئن، يختبئ نورٌ يرفض أن يخمد، ينتظر من يرفع القلم بعقل، ومن يرفع البندقية دفاعاً عن الحق، ومن يمسك السلطة بأمانة، ومن يدير بلا طمع، ومن يكتب الإعلام بالحقيقة. حينها، سيقتلع الخراب من جذوره، وتعود الغابة الميتة إلى حديقة صاخبة بالحياة، وطن يزهر فيه الحق، وتغرد فيه الحرية، ويكبر فيه أملٌ جديد، يكسر قيود الظلام، ويعيد للقلوب نبضها، ويثبت أن الإنسان يستطيع أن ينتصر على الوحشية مهما عظمت.