بقلم: د. عدنان بوزان
حين ترى العقل البشري يتصادم مع النصوص الدينية، فاعلم أن المشكلة ليست في العقل، بل في النصوص كما صاغتها السلطات. فالدين في جوهره لا يحتاج إلى عداء مع الفكر، لكن ما يقدم اليوم باسم الدين ليس إلا بناءً بشرياً محكوماً بالمصالح ومثقلاً بالتلاعب.
المعجزات انتهت منذ زمن بعيد. لا وجود لمعجزة في الواقع؛ ما يوجد هو الفكر والعلم والتجربة والإرادة الإنسانية. وكل خطاب يصرّ على إقناع الناس بخوارق خارجة عن الطبيعة ليس سوى وسيلة لإبقائهم أسرى الوهم والخوف، كي يستمر نفوذ رجال الدين والساسة.
وحين يقال للناس إن النصوص مقدسة لا تمس، فالتقديس هنا لا يكون للدين في ذاته، بل للسلطة التي اختطفته. فقد جرى تأويل النصوص وتقطيعها وتوظيفها بما يخدم طبقة بعينها، ويحول دون انبثاق التفكير الحر. لذا، فالتصادم ليس بين الدين والعقل، بل بين العقل والجهات التي احتكرت الدين وفرضت قراءتها بالقوة، وجعلت من نفسها وسيطاً بين الإنسان والإله.
إنه تلاعب سافر: باسم النصوص يشرعن الظلم، وتخمد الثورات، ويبرر الفقر، ويقدم الاستبداد على أنه قدر إلهي. وكلما ارتفع صوت العقل رافضاً، قيل: هذا خروج على الدين. غير أن الحقيقة أنه خروج على سلطتهم لا على الدين.
فالإنسان لا يحتاج إلى معجزات، ولا إلى كهنة يفسّرون له النصوص. إنه يحتاج فقط إلى فكره الحر، وإلى وعيه بذاته كقيمة. والعقل ليس خصماً للدين، بل كاشفاً لزيف السلطة الدينية. فإن كان للدين جوهر حقيقي، فالعقل سيظهره ويحرره؛ وإن لم يكن إلا بناءً للاستغلال، فسيسقط مع أول مواجهة عقلية جادة.
إما أن يطهر الدين من التلاعب البشري، وإما أن يتحرر الإنسان من الدين المزيف كله.