المؤتمر الكوردي في قامشلو بين أمل التوحيد وصدمات الرفض السياسي
- Super User
- ما وراء الخبر
- الزيارات: 1292
بقلم: د. عدنان بوزان
في السادس والعشرين من نيسان، انعقد في مدينة قامشلو مؤتمر يُعَدّ من أبرز المحاولات الكوردية في سوريا لبلورة مشروع وطني مشترك، تحت مسمّى "المؤتمر الكوردي"، جامعاً بين خصمين سياسيين تقليديين: حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والمجلس الوطني الكوردي (ENKS)، رغم محدودية وحضور الاجماع الكوردي ، وبحضور ممثلين كل من، الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإقليم كوردستان العراق. وعلى السطح، يبدو الحدث مجرد اجتماع سياسي اعتيادي، إلا أنّه في عمقه يُجسّد محاولة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية الكوردية في سوريا، في لحظة حرجة من التحولات السياسية والعسكرية.
أولاً: ما وراء التوقيت والمكان:
انعقاد المؤتمر في قامشلو، العاصمة غير الرسمية للإدارة الذاتية، وبمشاركة دولية وإقليمية، ليس تفصيلاً عابراً. إنه بمثابة إعلانٍ واضح بأنّ القضية الكوردية في سوريا لم تعد شأناً محلياً معزولاً، بل أصبحت جزءاً من معادلات إقليمية ودولية معقّدة. ويكتسب التوقيت دلالة خاصة في ظل الحديث المتزايد عن مرحلة انتقالية سورية محتملة بقيادة "الرئيس المؤقت أحمد الشرع" (وهو الاسم الرمزي لـ"أبو محمد الجولاني"، زعيم هيئة تحرير الشام المصنف في قائمة الإرهاب)، ما يضع المؤتمر في مواجهة مباشرة مع مسارات سياسية بديلة لا تعترف بالكورد أصلاً كطرف سياسي متكافئ.
ثانياً: مضمون المؤتمر وخطوة نحو وحدة الصف الكوردي:
رغم العداء التاريخي والصراعات العميقة بين PYD وENKS، فإنّ الجلوس على طاولة واحدة، والخروج بمخرجات تمهّد لتقاسم النفوذ، وتوحيد الخطاب السياسي، وإعادة بناء الثقة، يمثّل اختراقاً سياسياً نادراً. هذه المخرجات ترسم أولى ملامح ما يمكن أن يكون تمثيلاً كوردياً مشتركاً في أي مفاوضات محلية ودولية حول مستقبل سوريا. وهذا التطور يشكّل تهديداً مزدوجاً لبنية النظام الجديد والمعارضة القومجية العروبية والإسلاموية على السواء، إذ يكسر احتكار التمثيل العربي السني في الحكم والمعارضة، بل رفض النظام المركزي وتصنيع الدكتاتورية الجديدة في سوريا، وإعلان أن سوريا دولة تعددية القومية ولا مركزية ونظام برلماني علماني.
ثالثاً: الرفض من حكومة "أحمد الشرع".. ماذا يعني ذلك؟
ما إن أُعلنَ عن مخرجات المؤتمر، حتى جاء الرد بالرفض القاطع من "حكومة أحمد الشرع" (المقصود بها سلطة هيئة تحرير الشام، التي تحاول الظهور بثوب سياسي معتدل). ولا يمكن قراءة هذا الرفض بمعزل عن التحولات الإيديولوجية في بنية المعارضة الإسلامية المسلحة، التي وإن دخلت عالم السياسة، إلا أنّها لا تزال تنطلق من رؤية قومية إسلامية سنيّة تُقصي المكونات الأخرى.
يرتكز هذا الرفض على بُعدين رئيسيين:
1- إيديولوجي: هذه الجماعات لا تعترف بأي شكل من أشكال الحكم الذاتي أو الفيدرالية، بل وترفض فكرة التعددية القومية أساساً.
2- جيوسياسي: القوى الكوردية في شمال وشرق سوريا ترتبط بتحالفات دولية (كالولايات المتحدة مثلاً)، وتُنظر إليها من قبل هذه الجماعات كـ"خيانة" أو كتهديد مباشر لمشروعها السلطوي.
رابعاً: النتائج المتوقعة لمخرجات المؤتمر ورفض حكومة الشرع
1- إعادة إحياء الأمل بوحدة الصف الكوردي، ولو جزئياً، وفتح الباب أمام تكتل كوردستاني سوري يتمتع بشرعية داخلية وخارجية.
2- تعزيز الحضور الكوردي في المفاوضات المحلية والدولية المقبلة، خاصة في ظل تراجع التمثيل العربي الموحد، وبروز القوى المحلية.
3- تصعيد المواجهة السياسية (وربما الأمنية لاحقاً) بين القوى الكوردية والتيارات الإسلامية المتطرفة، التي تحاول إعادة إنتاج نفسها ضمن مشروع حكم بديل.
4- تحريك ملف الاعتراف الدولي بالمكوّن الكوردي في سوريا، بوصفه طرفاً سياسياً لا يمكن تجاهله في مستقبل البلاد.
5- تأزيم العلاقة بين تركيا والمجتمع الدولي، إذا ما جرى النظر إلى المؤتمر كخطوة باتجاه الفيدرالية، وهو ما تعتبره أنقرة تهديداً لأمنها القومي.
خلاصة: الكورد على مشارف تحوّل استراتيجي
ما جرى في قامشلو ليس مجرد مؤتمر داخلي، بل محاولة استباقية لإعادة تموضع الكورد في معادلة سوريا القادمة. الكورد، الذين طالما كانوا الحلقة المغيّبة في النظامين السياسيين، بدأوا يفرضون أنفسهم بقوة التحالفات، وواقعية الأرض، ورؤية استراتيجية للحكم الذاتي. لكنّ الرفض الصريح من أحمد الشرع، ومعه كل التيارات الإسلاموية السياسية، يُذكّرنا بأن المعركة لم تنتهِ بعد، بل بدأت تأخذ أشكالاً جديدة من الإنكار، والاحتواء، والمواجهة غير المباشرة.
فمن هنا، هل يمثل هذا التقارب الكوردي بداية لتحوّل تاريخي دائم، أم أنه مجرد مناورة سياسية مؤقتة أملَتها ضرورات المرحلة؟