صراعات سياسية: بين الوليد والقديم في خدمة الشعب أم الذات؟"
بقلم: د. عدنان بوزان
أشهد أننا أمة فاشلة..
إن المشهد السياسي الحالي يبدو وكأنه مشهد من الماضي المؤلم، حيث يستمر الصراع بين الأطراف المتنافسة، الوليد والقديم، في مساره المألوف. وعلى الرغم من أنه قد يكون غير محبب التعامل مع موضوعات سياسية لا تثير اهتمامنا الحقيقي، فإن الواجب يدفعنا إلى توجيه أنظارنا نحو تلك الساحة، حيث يتم تجاوز القضايا الجوهرية التي تشغل اهتمام أبناء شعبنا، ويبدو أن الأهمية تنصب على المصالح الشخصية والتحكم بمقاعد التحكم والثروة.
على مر السنوات، شهدنا تطوراً لافتاً في الصراعات السياسية في منطقتنا، والتي للأسف تتشابه في أغلب الأحيان مع مسرحية تعيسة من الكذب والنفاق. وبينما يدعي الطرفان المتنافسان أنهما يسعيان لخدمة مصالح الشعب والوطن، يتضح للمتابع الواعي أن هذه الادعاءات تأتي في إطار تصفية حسابات شخصية وتحقيق مكاسب شخصية وضمانات لبقاء في تحكم الهزيل وفي خدمة الأجندات الغير الكوردية .
نتيجة هذه الصراعات والعقلية العفنة بين هذا الطرف وبين ذاك تشرد الشعب الكوردي في أصقاع العالم ، واليوم يتصاعد الصراع من نوع آخر بين الوليد والقديم، لكن يبدو أن الأطراف السياسية تعيش في عالم موازٍ من الكذب والنفاق، حيث لا تمتلك القضايا الشعبية الأساسية حلاً في أولوياتها، وتبدو التصرفات والقرارات مدفوعة بالمكاسب وليس بمصلحة الشعب.
إننا نشهد اليوم تكراراً للأنماط السياسية التي فشلت مراراً وتكراراً. فالأحزاب تبدو وكأنها تقوم ببناء أوهام كبيرة لتركيبة نجاح وهمي، وفي النهاية يتبدد هذا الوهم ويكشف حقيقة تجاوز القضايا الهامة والاكتفاء بتحقيق مكاسب شخصية.
من الضروري أن نطالب بتغيير هذا السياق السياسي القائم على الخداع والانحياز الشخصي. يجب أن تكون الأولوية لخدمة الشعب وتحقيق مصالحه، وهذا يتطلب من الأحزاب السياسية أن تبني برامجها وأجنداتها على أسس فكرية ووطنية قائمة على تلبية تطلعات الأمة بأسرها.
بين الوليد والقديم، وبين كل الأحزاب السياسية، يجب أن يكون هناك توجه نحو تغيير النهج الحالي. لا بد من تجاوز السياسات التي تعتمد على الكذب والمكاسب الشخصية، وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون المبادئ والقيم هي المحرك الرئيسي لأي نشاط سياسي.
إذا كنا نتطلع إلى مستقبل أفضل لأمتنا، علينا أن نعمل على تطوير ثقافة سياسية جديدة، تعيد تعريف النجاح السياسي من خلال خدمة الشعب وتحقيق مصالحه الحقيقية. إنه وقت التغيير، وإلا فإننا سنبقى رهائن لنمط سياسي فاسد لا يخدم إلا القلة ويهمش الأغلبية. يجب أن يتمثل النجاح السياسي في تحقيق التقدم الشامل للأمة، في توفير العدالة الاجتماعية، وفي تعزيز الحريات وحقوق الإنسان.
إن مقاومة هذا المسار السياسي الخاطئ هو واجب علينا جميعاً. يجب أن نطالب بمزيد من الشفافية والمساءلة من قادة الأحزاب السياسية. يجب أن نضع ضغوطاً على القوى السياسية لتحول أولوياتها نحو مصلحة الشعب والوطن.
على الأفراد أن يكونوا نشطاء سياسيين ومواطنين مسؤولين. يجب أن نتعلم كيف نقيّم برامج وخطط الأحزاب بشكل نقدي، وكيف نختار من يمثلنا بشكل يعكس مصالحنا الحقيقية. إذا كان لدينا إرادة جماعية للتغيير، يمكننا أن نحقق تحولاً حقيقياً في المشهد السياسي.
في الختام، إن الأمة لا تستحق أن تبقى ضحية لصراعات سياسية لا تخدم إلا القلة. إنها تستحق قادة وأحزاباً يعملون بجدية وصدق لتحقيق تقدمها وازدهارها. إنه وقت الانتقال من الكذب والنفاق إلى الصدق والعمل الجاد من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.