مهمّة حزب الله: من تأسيسه وتحولاته في ظل الحروب الإقليمية وتحديات الساحة اللبنانية
بقلم: د. عدنان بوزان
مهمة حزب الله، خاصةً في سياق التفاعل السريع مع أحداث 7 أكتوبر، تبرز بشكل واضح في دوره الدفاعي والاستراتيجي في مواجهة التحديات والتهديدات المتزايدة على الساحة الإقليمية. يتجلى هذا الدور من خلال استخدام الحزب لقدراته العسكرية والإستراتيجية بشكل حذر ومدروس، بهدف الرد على التحركات الإسرائيلية دون الانخراط في تصعيد يمكن أن يؤدي إلى مواجهة واسعة النطاق.
بدايةً، يظهر حزب الله بوصفه قوة دفاعية قوية تتحمل مسؤوليات الحماية للأراضي اللبنانية، خاصةً في مناطق مثل شبعا التي يعتبرها الحزب أرضا لبنانية تحت الاحتلال الإسرائيلي. التفاعل السريع والمدروس في إطلاق القذائف الصاروخية يعكس قدرة الحزب على التحكم في التصعيد واستهداف مناطق إستراتيجية دون الوقوع في فخ التصعيد غير المحسوب.
على الرغم من تصاعد التوترات والتصعيد المحدود على الحدود، إلا أن حزب الله يظهر بوصفه قوة محدودة الانخراط، متفاعلة بحساسية مع التطورات الإقليمية دون أن تتخذ خطوات تصعيدية كبيرة. هذا يعكس إستراتيجية الحزب في الحفاظ على التوازن وتجنب التورط في صراع يمكن أن يتسبب في تصعيد غير مرغوب فيه.
من الجدير بالذكر أن هذا التفاعل لم يتأثر بالأحداث في قطاع غزة، حيث دخلت القوات الإسرائيلية وسيطرت على مناطق في الشمال. رغم ذلك، استمر حزب الله في الحفاظ على وجوده وتأكيد دوره الدفاعي في مواجهة التحديات الإقليمية.
من خلال استمرار تصاعد التوترات والتحديات في المنطقة، يظهر حزب الله بوصفه عاملاً أساسياً في المحافظة على الاستقرار اللبناني ودفاعه عن السيادة الوطنية. يعزز الحزب من قدراته الدفاعية ويواصل التحضير لمواجهة أي تهديد يمكن أن يطرأ على أمن لبنان.
تستند مهمة حزب الله أيضاً إلى تعزيز دوره في الساحة الإقليمية كقوة مقاومة، حيث يرى نفسه كفاعل رئيسي في مواجهة الضغوط الخارجية. يتخذ الحزب من إستراتيجيته الدفاعية مظهراً لقوته وقدرته على التصدي للتحديات، دون الانخراط في صدامات طويلة أو تصاعد غير مرغوب فيه.
مع تأكيد حزب الله على دوره الدفاعي، يظل التوازن والحس الدبلوماسي حاضرين في إستراتيجيته. يحاول الحزب الحفاظ على علاقاته في المنطقة وتفادي التورط في صراعات تفاقم الوضع الإقليمي. يعمل على تعزيز التفاهم والتسوية عند الإمكان، مما يعكس جهوده في الحفاظ على الاستقرار والتوازن الإقليمي.
في النتيجة، تظهر مهمة حزب الله كعامل أساسي في الحفاظ على الاستقرار في لبنان والمنطقة، مع استمراره في تعزيز قدراته الدفاعية وتحضير نفسه لأي تحديات مستقبلية. تأسيس حزب الله في عام 1982 كان برؤية محور المقاومة، وسرعان ما تصاعدت التوترات مع إسرائيل، مما أدى إلى سجل تاريخي من التصعيد والتصادم بين الطرفين. المواجهة الأخيرة والأكثر عنفاً كانت في صيف عام 2006.
في 12 يوليو 2006، قامت كتائب القسام (الجناح العسكري لحماس) بأسر جنديين إسرائيليين وقتل آخرين في عملية على الحدود الجنوبية مع قطاع غزة. رداً على هذا الحادث، قام حزب الله في 12 يوليو أيضاً باختطاف جنديين إسرائيليين وقتل ثلاثة آخرين في هجوم عبر الحدود اللبنانية.
استغلت إسرائيل هذه الأحداث لتشن حملة عسكرية واسعة النطاق على لبنان، تستمر لمدة 34 يوماً. انتهت هذه الحملة بقرار مجلس الأمن 1701، الذي نص على وقف إطلاق النار ونشر قوات دولية في جنوب لبنان والانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية.
رغم أن المواجهات المباشرة بين حزب الله وإسرائيل تراجعت بشكل كبير منذ عام 2006، إلا أن التوترات لا تزال حاضرة، وحزب الله يحتفظ بقدراته العسكرية ويظل له تأثير كبير في الشأن السياسي اللبناني. تعكس هذه الأحداث والتطورات التاريخية حجم التحديات والتعقيدات في المنطقة، وتبرز دور حزب الله كلاعب رئيسي في هذا السياق.
بعد الحرب في صيف 2006، بدأت مرحلة جديدة في تحول العلاقة بين حزب الله وإسرائيل، حيث تمركزت المواجهات في غالبية الأحيان على مستوى الكلام والتوترات السياسية بدلاً من المواجهات الميدانية المباشرة. رغم ذلك، يظل حزب الله يحتفظ بقوته العسكرية ويمتلك قدرات تكتيكية قوية.
تأثير حزب الله في لبنان أيضاً يظهر بشكل واضح، حيث أصبح له دور رئيسي في تشكيل الحكومات واتخاذ القرارات السياسية الهامة. بالنظر إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان في عام 2005، تولى حزب الله المزيد من المسؤوليات السياسية والعسكرية في البلاد.
مع تشكيل الحكومات وانتخاب الرؤساء، تظهر قدرة حزب الله على تأثير التوجيهات السياسية في لبنان، وغالباً ما تأتي مواقفه في تعطيل أو تسريع عمليات الاتخاذ القرار، مما يعكس التوازن الهش في السياسة اللبنانية.
الوضع الحالي في لبنان، مع غياب رئيس جمهورية وحكومة في حالة تصريف أعمال، يعكس التحديات الهيكلية والسياسية التي يواجهها البلد. تظهر تداولات السلطة والصراعات السياسية تأثير حزب الله الكبير والتوازن الحساس في الساحة اللبنانية، مما يعكس تأثيره الشديد في صياغة مستقبل البلاد.
تأسس حزب الله في ظروف تعقيدية خلال فترة الحرب الأهلية في لبنان، وذلك في عام 1982، عندما كانت المنطقة تشهد تحولات جيوسياسية هامة. كانت إيران تسعى إلى توسيع نفوذها في المنطقة، وقد ركزت جهودها على إنشاء تحالفات مع جماعات مسلحة تدعم أهدافها السياسية والدينية.
استفادت إيران من الفرص الواعدة التي أتاحتها الأوضاع في لبنان خلال الحرب الأهلية، حيث كانت الأمور غير مستقرة وسائدة التشتت والتوتر. في هذا السياق، قامت إيران بالتعاون مع الحكومة السورية لإنشاء حزب الله، الذي أُسس كذراع عسكري وسياسي لها في المنطقة.
تعكس تطورات حزب الله اللاحقة قدرته على تحقيق توازن دقيق ومحسوب في علاقته مع إسرائيل. على الرغم من المواجهات المتكررة والتصعيد الحاد الذي وقع في بعض الأحيان، إلا أن حزب الله استطاع الحفاظ على تواجده السياسي والعسكري في لبنان.
في سياق الأحداث في سوريا ( ما تسمى بالثورة السورية) ، استفاد حزب الله من الفرصة لتوسيع نطاق تأثيره وتعزيز قدراته العسكرية، خاصة في المناطق الحدودية مع إسرائيل. تمكن الحزب من توسيع نشاطه العسكري ليشمل مناطق في الجنوب السوري، بدعم إيراني، مما يزيد من التحديات التي يواجهها في المنطقة.
في ظل هذا التطور التاريخي والتحولات الإقليمية، يظل حزب الله يحافظ على دوره الرئيسي كلاعب سياسي وعسكري في لبنان، ويتأقلم بحذر مع التحديات المتجددة في المنطقة.
ومن خلال هذا السياق التاريخي، يظهر حزب الله بوصفه عنصراً أساسياً في المشروع الإيراني الواسع للتأثير في المنطقة. تكونت العلاقة الإيرانية - اللبنانية - السورية كتحالف استراتيجي يهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة، سواء على الصعيدين السياسي والديني، أو في ميدان المقاومة ضد إسرائيل.
تشكل الحرب الأهلية في لبنان وظروفها الصعبة الخلفية الفعالة لنشوء حزب الله، حيث اعتبر الحزب نفسه عنصراً مقاوماً ضد الهجمات الإسرائيلية والتدخلات الغربية في المنطقة. استمد الحزب قوته وتأثيره من قدرته على مواجهة المعارضة الداخلية والتحديات الخارجية.
من خلال مهمته كعامل مقاوم وسياسي، استطاع حزب الله أن يثبت نفسه في المشهد اللبناني، ويعبر عن تفاعله مع الأحداث الإقليمية بذكاء وحنكة. على الرغم من التحديات والانتقادات التي واجهها، يظل الحزب لاعباً رئيسياً في الساحة اللبنانية، حيث يؤثر في تشكيل الحكومات واتخاذ القرارات الحيوية.
في الوقت الحالي، يتجلى تأثير حزب الله بوضوح في السياسة اللبنانية والأحداث الإقليمية، ويواصل تحقيق أهدافه كقوة مقاومة تعتمد على تحالفه مع إيران وتأثيره في المنطقة.
وقد أوجدت الحرب السورية دوراً إضافياً له في الداخل السوري أدّاه بمهارة، استفاد منها أخيراً بتوسيع جبهته مع إسرائيل، لتشمل مناطق من الجنوب السوري بمساندة إيرانية. ومن المستبعد بعد هذا التاريخ الحافل أن يغامر بذلك كله في سبيل حرب تجري في غزّة ليست في صالحه. وتراشقه اليومي سواء ارتفعت حدّته أو انخفضت لن يرقى إلى مستوى مواجهة شاملة يفقد فيها الحزب نفسه، ويفقد موقعاً متميّزاً لمؤسّسيه، فما زال بحاجة لموقعه في الداخل، وهو الهدف الأساسي لتأسيسه، ولا يبدو من نية لتغييره أو تمديده الآن، ولا في أي فترة مقبلة.