التحاليل السياسية
فلاديمير بوتين ونهاية الحرب في أوكرانيا
بقلم: د. عدنان بوزان
تشكل الأحداث الجارية في أوكرانيا والصراع الدائر بين القوات الأوكرانية والمتمردين المدعومين من روسيا تحدياً هاماً للأمن والاستقرار في المنطقة. يأخذ هذا البحث لمحة عن دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تلك الأحداث ويستند إلى تحليل سياسي للتنبؤ بمستقبل الصراع ومحاولة فهم العوامل التي قد تؤدي إلى نهايته.
تتجه الحرب الروسية في أوكرانيا نحو إكمال عامها الثاني، وسط تعقيدات دولية وتحولات سياسية تؤثر في المشهد العالمي بشكل كبير. يعيش العالم اليوم في زمنٍ تمر فيه الأحداث الدولية بسرعة، مما يجعل من الصعب تحديد مسار نهاية هذه الحرب وتأثيرها على العلاقات الدولية.
تشهد الحرب الروسية في أوكرانيا تطورات مستمرة ومأساوية، حيث يقترب اكتمال عامها الثاني دون أمل واضح في نهايتها. تعكس هذه الحرب الكثير من الأحداث الدولية التي شهدناها خلال الفترة الماضية، تأتي هذه الحرب في سياق تغييرات عدة تعكس تحولاً في العالم السياسي والاستراتيجي.
منذ بداية الحرب، كان هناك حديث مستمر حول هجوم روسي شتوي ورد فعل أوكراني معاكس. لكن في الأشهر الأخيرة، بعد تحول الوضع العسكري إلى استنزاف دون تغيير جوهري، قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توجيه هجوم جوي هائل نحو أوكرانيا، بتوجيه أكثر من مائة مقذوف ناري نحو البنية التحتية الأوكرانية. يظهر هذا الهجوم العنيف إصراراً روسياً على متابعة الحرب بكل وسيلة ممكنة، مع إشارات واضحة إلى استمرار الصراع دون تحديد لملامح نهايته.
تأتي هذه الهجمات في سياق تزايد التوترات الداخلية في روسيا، حيث يستعد بوتين لانتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها في مارس. كان من المتوقع أن تكون هذه الولاية هي الأخيرة لبوتين، لكن تعديلات دستورية أتاحت له البقاء حتى عام 2036، وهو ما يسمح له بتكريس هذه الانتخابات لنفسه. يعكس ذلك إصرار بوتين على التمسك بالسلطة والتأكيد على قراره في بدء الحرب على أوكرانيا.
إن منح الجنسية الروسية للمشاركين في الحرب يعكس سعي بوتين لتعزيز دعمه الشعبي وتأمين تواجده السياسي. هذه الخطوة تسمح له بتوفير تأييد داخلي لقراراته العسكرية وتجاوز أزمة احتمالية في حال انخراط المواطنين في المعركة. يظهر بوتين بذلك استعداده للاستمرار في الحرب بغض النظر عن التحولات الدولية أو الضغوط الداخلية.
بينما يبدو أن فوز بوتين في الانتخابات محسوماً، يظل السؤال حول مستقبل الحرب في أوكرانيا غير واضح. إذ يعتمد ذلك على قرارات بوتين واستجابته للتحديات الدولية والضغوط الداخلية. في النهاية، يظل الشعب الأوكراني وضحايا الحرب في حاجة إلى جهود دولية لتحقيق السلام وإنهاء هذا الصراع المدمر.
تعيش أوكرانيا اليوم في ظل تحديات جسيمة تفرضها الحرب الروسية، وتعاني الشعب الأوكراني من آثار هذا الصراع الذي لا يزال مستمراً. يعيش المدنيون في حالة من القلق والخوف، مع تدمير البنية التحتية وانعدام الأمان في الحياة اليومية.
من الواضح أن بوتين يسعى إلى استمرار الحرب كوسيلة لتحقيق أهدافه السياسية، سواء كان ذلك في توسيع نطاق السيطرة الروسية أو تحقيق تأثير داخلي يعزز مكانته السياسية. يبدو أنه يستغل الحرب كسبيل لتعزيز الوحدة الوطنية وتوجيه انتباه الشعب إلى العدوان الخارجي بدلاً من القضايا الداخلية.
على الساحة الدولية، يجب أن تتحد المجتمع الدولي للضغط من أجل وقف الحرب وتحقيق حلاً دبلوماسياً. يجب على الدول والمنظمات الدولية أن تتحد في إدانة الانتهاكات الروسية للسيادة الوطنية لأوكرانيا والممارسات العسكرية القاسية ضد المدنيين.
سنناقش الوضع الراهن للحرب الروسية على أوكرانيا وتسلط الضوء على دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تطوراتها وعلى الأفق المستقبلي لنهايتها. إن الحرب، التي دخلت في العام الثاني، تشهد تعقيدات كبيرة وتأثيرات متعددة ناتجة عن تحولات مؤثرة في الساحة الدولية، مثل الحرب في غزة وتداعياتها على الشرق الأوسط، وتهديدات التركية المستمرة وضربات مسيراتها بشكل متقطع في المواقع في الشمال والشرق سوريا أي شرق الفرات وأثرها على المنطقة، إضافة إلى تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة والأحكام القضائية التي تلعب دوراً حاسماً في تحديد مستقبل السياسة الأمريكية.
خلال الشهور الأخيرة، وبعد تأرجح الهجمات المعاكسة الأوكرانية، أصبحت الحرب حالة استنزاف لا تشهد تغييراً كبيراً في خطوط الجبهة، وقد ساهمت الأحداث في غزة في إبطاء تقدم القوات الأوكرانية بعد تقليل المساعدات العسكرية من الغرب. وفي هذا السياق، برزت جهود جماعات الضغط الأميركية في الكونغرس، مما أدى إلى تعليق المساعدات الموجهة إلى أوكرانيا وتراجع التحدث عن إرسال طائرات أميركية حديثة.
في تطور مفاجئ، أمام الظروف المتعثرة، قرر بوتين توجيه أكبر هجوم جوي نحو أوكرانيا في الأيام الأخيرة. تضمن الهجوم استخدام قذائف نارية تجاوزت المئة، استهدفت البنية التحتية الأوكرانية دون تمييز بين المواقع الحيوية ومراكز الإيواء. يُظهر هذا الهجوم بشكل واضح استمرار إصرار روسيا على مواصلة الحرب، والاستعداد لتمديدها دون تحديد لفترة زمنية محددة، ورغم الغموض المحيط بالأهداف الحقيقية للهجوم، يتضح التصعيد الروسي والتصميم على تحقيق الأهداف المسيطرة مسبقاً.
بهذا السياق، يستمر التساؤل حول مستقبل الحرب في أوكرانيا وإمكانية الوصول إلى نهاية لها. يعكس الوثيقة حقيقة الوضع الراهن ويتناول الأحداث الأخيرة ليقدم تفسيراً لمسار التطورات الحالية، مع تسليط الضوء على تحديات الوضع وتأثيراتها على الساحة الدولية.
من دون وجود أفقٍ واضح لشكل نهاية هذه الحرب، وخصوصاً بعد وقوع متغيّرات كثيرة مؤثرة في العالم، وخاصة دخول الولايات المتحدة عام انتخاباتها الرئاسية، ومرشّحَاها الأساسيَّان تلعب الأحكامُ القضائية دوراً قوياً في تحديد مصيرهما، وكان الحديث عن هجوم روسي شتوي وهجوم معاكس أوكراني يتكرر عبر الأشهر الـ22 التي انقضت من عمر هذه الحرب. وفي الأشهر الأخيرة، بعد مراوحة الهجوم المعاكس الأوكراني في مكانه، تحوّلت الحرب إلى استنزافٍ لا تكاد تتغيّر فيه خطوط التماسّ إلا بضع خطواتٍ تقدّماً أو تراجعاً.
وقد ساعدت الحرب في غزّة على شل التقدّم الأوكراني، بعد أن تباطأت المساعدات العسكرية الغربية، وبدأت جماعات ضغط أميركية تجد تفاعلاً في أوساط الكونغرس، حتى أوقفت باقات المساعدة الموجهة إلى أوكرانيا، وتراجع الحديث عن إرسال مزيدٍ من الطائرات الأميركية الحديثة. في هذه الأجواء المتعثرة التي تسود الجبهات، يقرّر بوتين قبل أيام توجيه أكبر هجوم جوي نحو أوكرانيا، بمقذوفاتٍ نارية يتجاوز عددها المائة، موجّهة نحو البنية التحتية الأوكرانية من دون استثناء المواقع الصحية أو مراكز الإيواء. عكَس عنفُ الهجمة وهمجيّتها رغبة روسية في متابعة هذه الحرب، وإصراراً على تحقيق أهدافها، واستعداداً لإطالة أمدها من دون سقف، مع نية مبيَّتة لاستهداف أي شيء داخل أوكرانيا من دون تمييز.
لا توجد شكوك بشأن نتائج الانتخابات الروسية، مهما كان سياق الحرب الأوكرانية في الشهر المقبل، فبوتين، الذي بقي في السلطة طوال العشرين عاماً الماضية، سيداعب الأحلام القومية للروس، ويبالغ في تقدير انتصاراته الجزئية، وقد أصدر أخيراً قراراً بمنح الجنسية الروسية لكل من وقّع عقداً للمشاركة العسكرية في الحرب، وهو من خارج روسيا، ولا يقتصر منح الجنسية على المقاتل، بل يشمل كل أفراد أسرته! بحيث يغطي مثل هذا القرار على الأزمة التي نشأت عقب الإعلان الجزئي لتعبئة الشبان الروس. ويجد بوتين مصدراً آخر لتموين القوات المسلحة في حال إحجام مواطنيه عن المشاركة، وهو بذلك يتجاوز أزمة يمكن أن تنشأ في المستقبل، في حال احتاجت الحرب لمزيد من المقاتلين، من دون أن يخوض في مجابهة مع الشارع الروسي، وربما تجب الإشارة إلى أن الوجود المؤكّد لبوتين في السلطة يجعل نهاية الحرب أمراً غير مؤكّد.
إضافة إلى ذلك، يظهر أن القرارات الأخيرة لبوتين، مثل منح الجنسية الروسية للمشاركين في الحرب، تشير إلى استمراره في استغلال الأوضاع الداخلية والخارجية لتعزيز دعمه الشعبي وتصعيده السياسي. تلك الخطوات تعكس تصاعد الطابع الوحشي للحملة الروسية في أوكرانيا واستعداد النظام الروسي للتصعيد بدون توقف.
من الجدير بالذكر أن الحرب في أوكرانيا لا تقتصر على العواقب المحلية فحسب، بل تتسارع الآثار الإنسانية والاقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي. تتطلب حلاً سياسياً شاملاً وجهوداً دولية مكثفة لتهدئة التوترات والبحث عن حلول للنزاع.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه جهود التسوية في أوكرانيا، يجب على المجتمع الدولي أن يبذل جهداً إضافياً للتصدي للأوضاع الإنسانية الصعبة والتأثيرات الاقتصادية المدمرة. يتعين على الدول والمنظمات الدولية تقديم الدعم اللازم للمدنيين المتضررين والعمل على إيجاد حلول إنسانية للأزمة الإنسانية الناجمة عن النزاع.
من الضروري أيضاً تعزيز الدبلوماسية الدولية والحوار للوصول إلى حلاً سلمياً ومستداماً للنزاع. يجب أن تكون هناك مساعي جادة لإحلال السلام وتشجيع جميع الأطراف على المشاركة في عمليات السلام والتفاوض.
على الصعيدين الإقليمي والدولي، ينبغي على المجتمع الدولي التعاون بشكل أكبر لتحقيق الأمان والاستقرار في المنطقة. يجب على الدول الكبرى والمؤثرة دولياً أن تعمل معاً لوضع ضغط دبلوماسي على الأطراف المتورطة وتشجيعها على التفاوض للوصول إلى حلاً شاملاً وعادلاً.
في النهاية، يتعين على المجتمع الدولي أن يتحد بروح التعاون والتضامن للتغلب على تحديات الأزمة في أوكرانيا. يجب أن تكون هناك جهود مشتركة لإحلال السلام وتوفير الدعم اللازم لإعادة بناء البلاد وتعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة. إن إيجاد حلاً دائماً لهذا النزاع يعتبر أمراً حاسماً للمساهمة في خلق عالم أكثر سلاماً واستدامة.
في الختام، يجب أن يكون الهدف الرئيسي هو إيجاد حلاً سياسياً لإنهاء هذا النزاع المدمر. يحتاج العالم إلى تعاون دولي فعّال لتحقيق السلام في أوكرانيا وتأمين مستقبل يخلو من الحروب والتحديات الأمنية.