تحليل: تحديات بايدن في حرب غزة بين المصلحة الجيوسياسية والتحديات الانتخابية

بقلم: د. عدنان بوزان

الصراع في قطاع غزة لم يعد مجرد نزاع محدود النطاق يتسم بالتوترات الفلسطينية الإسرائيلية، بل أصبح حدثاً يتسرب إلى الساحة الدولية، وبشكل مباشر يتأثر به الرئيس الأمريكي جو بايدن، سواء على الصعيدين الداخلي والخارجي.

في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أكد الرئيس جو بايدن على عزمه على عدم التراجع في وجه التحديات الكبيرة التي تعترض طريقه، سواء كان ذلك في مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو حركة "حماس" في قطاع غزة. إن هذا التصعيد يأتي في سياق يتسم بالتعقيدات الكثيرة، والتي تضع الإدارة الأمريكية في مأزق سياسي ودبلوماسي.

تجدر الإشارة إلى أن الرئيس بايدن يعيش في فترة حساسة من حيث السياسة الداخلية، حيث تعاني إدارته من تحديات كبيرة تتعلق بالاقتصاد الذي لا يزال يتأثر بتداعيات جائحة كوفيد-19، وهو ما يجعل من الصراع الدائر في الشرق الأوسط إضافة غير مرغوب فيها تفاقم متاعبه الانتخابية.

في مواجهة الضغوط الداخلية، يجد بايدن نفسه مضطراً لاتخاذ مواقف قوية وصارمة فيما يتعلق بالشؤون الخارجية، وهو ما قد يجعل من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عقبة إضافية يجب عليه التعامل معها بحذر شديد.

على صعيد العلاقات الدولية، يواجه بايدن ضغوطاً دولية متزايدة تطالب بتحمل مسؤوليات أكبر في حل النزاع الدائر في الشرق الأوسط، وخاصة في ظل الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. إن تصاعد التوترات في المنطقة يفرض عليه التحلي بالحنكة والقوة الدبلوماسية، للمحافظة على الدعم الدولي وتجنب تداول سلبي لصورة الولايات المتحدة في العالم.

وفيما يتعلق بالمفاوضات المستقبلية، يظهر الرئيس بايدن بوعي دبلوماسي حيال قضية إطلاق النار، إذ يستبعد وقف العمليات العسكرية دون تحقيق تقدم حقيقي نحو حل دائم للنزاع. ورغم وعد مكرر بإقامة دولة فلسطينية، إلا أن هذا الوعد يبقى غير ملزم ويعاني من تشويشات داخلية وخارجية.

يبدو أن حرب غزة ليست مجرد اختبار للقدرات الدبلوماسية للرئيس بايدن فقط، بل هي تحدٍ يكمن في توازنه بين الضغوط الانتخابية الداخلية والمسؤوليات الدولية، وكيفية تحقيق تقدم حقيقي نحو السلام في المنطقة.

وجاءت في كلمته المكتوبة، يتضح أن الرئيس جو بايدن اختار التعبير عن مواقفه بشكل مباشر وواضح، وهو الأمر الذي يعكس حساسيته تجاه الأوضاع الحالية والتحديات التي تواجهها إدارته. يظهر أن الرئيس يدرك تأثير الأزمة الراهنة في قطاع غزة على الحساسيات والتوترات داخل الولايات المتحدة، ويسعى إلى تهدئة هذه الآثار السلبية.

الدافع الثاني الذي يبرز في كلمته يتعلق بالاهتمام بوضعه الانتخابي. يُشير إلى أن دعم إسرائيل، الذي يُعتبر تقليداً في العديد من السياقات السياسية الأمريكية، قد لا يكون مفيداً لبايدن في هذا السياق الزمني. بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية في غزة، يظهر أن الرئيس يتجنب توريط نفسه في دعم قرارات إسرائيل بشكل كامل، وذلك ربما لتجنب تفاقم مشكلاته الداخلية.

تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط، ويتطلب التعامل معها من الرئيس بايدن مهارة دبلوماسية كبيرة لضمان تحقيق التوازن المطلوب بين الضغوط الداخلية والمسؤوليات الدولية. الرئيس يبدو واعياً للتحديات التي يواجهها، وتصاعد الوضع في غزة يضعه أمام اختبار حقيقي لقدرته على إدارة الأزمات والتعامل مع التحديات السياسية والانتخابية في آن واحد.

ففي استطلاع تظهر نتائج شبكة "إن بي سي" أن رصيد الرئيس جو بايدن في السياسة الخارجية قد هبط إلى 33%، وهو مؤشر قد يعكس استياء الجماهير الأمريكية تجاه إدارته وإدارتها للأزمة الحالية في الشرق الأوسط. إن هذا الهبوط في التصنيف يعكس تحديات كبيرة يواجهها بايدن في إدارة الشؤون الخارجية وتصاعد الأزمات الدولية.

من بين النتائج الأخرى التي أظهرها الاستطلاع، يبدو أن هناك انقساماً في آراء الأميركيين حيال الحرب، حيث يعارض 56% منهم الحرب، وهو رقم يشير إلى توجيه الرأي العام نحو السلام وتجنب التصعيد العسكري. فيما يتعلق بالدعم الأميركي لإسرائيل، يعكس انخراط 38% من الأميركيين أنهم يرون أن هذا الدعم مبالغ فيه، وهو رقم يشير إلى ارتفاع في مستوى الشكوك والانتقادات بين الجمهور الأمريكي.

يتجلى من هذه النتائج أن إدارة بايدن تواجه تحديات حقيقية في التعامل مع الشؤون الدولية، ويعكس تأثير الأحداث الجارية على تقييم الرأي العام الأمريكي لأدائها. تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية يتطلب من الرئيس أن يكون على دراية بتحدياته وأن يعتمد استراتيجيات تصاعدية للتعامل معها.

وتظهر هذه النسبة البالغة 21% من الجيل الجديد من الديمقراطيين الذين ابتعدوا عن رئيسهم، جو بايدن، أمراً يشير إلى تحديات كبيرة تواجهه في الحفاظ على توحد قاعدته الداعمة. من بين هؤلاء، يظهر أن 70% عبّروا عن استيائهم من موقفه في الحرب، خاصة فيما يتعلق برفضه وقف إطلاق النار وتعامله مع مجزرة المدنيين. يبدو أن الجيل الجديد يطلق تقييمًا حادًا على إدارة بايدن، ويرفض السماح بتبريرات تبرير الأعمال العسكرية والتسويات الرسمية.

من الواضح أن موقف بايدن من الحرب في غزة يثير انقساماً داخل صفوف حزبه، وهو أمر يعكس التوترات الدائرة حول هذه القضية الحساسة. تعكس رفض الوقوف ضد العمليات العسكرية والتفهم الضمني للخسائر الجانبية بشكل غير مباشر مواقف تتعارض مع قيم ومبادئ جزء كبير من القاعدة الديمقراطية.

هذه التطورات تجسد أهمية التواصل الفعّال والشفاف مع القاعدة الداعمة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الدولية الحساسة، حيث يمكن أن تؤثر المواقف على ديناميات الدعم السياسي والانتخابي.

تظهر القضية المتعلقة بمستشفى الشفاء في غزة كنقطة فارقة في التغطية الإعلامية، حيث تعاملت الإدارة الأمريكية مع هذه القضية بشكل يثير الانتقادات والتساؤلات. استخدمت إسرائيل زعماً بأن المستشفى كان مركزاً لقيادة "حماس"، وهو ما أثار استنكاراً دوليًا بسبب اعتبار المستشفى كهدف عسكري، مما يتنافى مع القوانين الدولية واتفاقية جنيف.

ما يزيد من التوتر هو قبول الإدارة الأمريكية لهذه الذريعة دون تقديم أدلة دامغة. وقد انتقد الخبير السابق في وكالة الاستخبارات المركزية روبرت بير استناد الإدارة إلى ما سمي بـ "أدلة غير كافية". هذا السلوك قد يزيد من التشكيك في مصداقية المواقف الأمريكية وقدرتها على النظر البناء والموضوعية إلى القضايا الدولية.

القضية تعكس أيضاً التحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية في تحقيق التوازن بين دعم إسرائيل والالتزام بالمبادئ الإنسانية والقانون الدولي. التفاعل الأمريكي مع حوادث مثل هذه يظهر أهمية إجراء تحقيقات دقيقة وشفافة قبل التصريح بأي موقف، خاصة عندما يتعلق الأمر بحوادث قد تكون لها تأثير بالغ على الحياة الإنسانية وتقدم العدالة والسلام.

إشارة وسائل الإعلام إلى تضاؤل الاهتمام بفضيحة المدنيين وتحول الانتباه إلى موضوع المستشفى تثير تساؤلات حول كيفية إدارة الأحداث وتسليط الضوء على القضايا. يبدو أن هناك شكوكاً بين وسائل الإعلام حيال نفخ موضوع المستشفى، وربما يُفهم ذلك على أنها محاولة للتحايل على الانتقادات الدولية التي واجهتها الإدارة الأمريكية بسبب حادث المدنيين.

هذا التحول في التغطية الإعلامية قد يكون ناتجاً عن محاولة لتشتيت الانتباه عن فضيحة المدنيين التي أثارت استنكاراً دولياً وزادت من عزلة الإدارة الأمريكية. يعكس هذا التحول أيضاً الحاجة إلى إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة لضمان تقديم المعلومات الصحيحة والموثوقة فيما يتعلق بالقضايا الدولية الحساسة.

في النهاية، يظهر أن هناك جهوداً لتوجيه الانتباه بعيداً عن فضيحة المدنيين وتسليط الضوء على قضايا أخرى، وهو أمر يبرز التحديات الدائمة التي تواجه الإدارة الأمريكية في التعامل مع الشؤون الدولية والتحكم في السياق الإعلامي المعقد.

تلاحظ الغياب الملحوظ لتغطية شاملة لحرب غزة في بعض الوسائل الإعلامية الرئيسية وبرامجها الأسبوعية المعتادة. هذا الغياب قد يثير تساؤلات حول العوامل التي قد تكون وراءه، وخاصة في ظل دخول النزاع في مرحلة جديدة قد تشمل جنوب غزة، مما يجعله يستحق اهتماماً إعلامياً.

التحول إلى الخلفية أو الغياب عن بعض البرامج الرئيسية قد يكون محاولة للتقليل من تأثير الحرب في الرأي العام الأمريكي، وربما يكون هو جزء من محاولة لتجنب التأثير السلبي على الصورة السياسية للإدارة الأمريكية. قد تكون هناك محاولات للتعتيم أو التقليل من أهمية الأحداث الجارية، وربما ذلك يرتبط بمحاولة توجيه الانتباه نحو قضايا أخرى أو تقديم إطار معين للأحداث.

وفي ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، التي تلعب دوراً رئيسياً في نقل الأخبار وتشكيل الرأي العام، يصبح من الصعب على وسائل الإعلام تجنب الانتباه إلى قضايا مثل حرب غزة. تظهر هذه الديناميات التحول في الطريقة التي يتم من خلالها تشكيل وتوجيه النقاشات السياسية والانتخابية في الولايات المتحدة.

تتجلى التغيرات في المشهد الإعلامي والسياسي الأمريكي بشأن المسلمين الإسرائيليين بشكل لافت، حيث يلاحظ تغير في نظرة العديد من الأشخاص نحو هذه المجتمعات. يُظهر الانتقاد المتزايد للمسلمين الإسرائيليين أن هناك تحولاً في الرؤية العامة حيال قضايا الشرق الأوسط وإسرائيل.

من اللافت أيضاً أن الانتقادات لم تعد تقتصر على السياسات الإسرائيلية فحسب، بل أصبحت تشمل انتقادات للمجتمع اليهودي في الولايات المتحدة. يظهر هذا في الحديث عن "نفوذ اليهود" في السياسة الأمريكية والتشكيك في ولاء الأميركيين اليهود للولايات المتحدة. هذه الديناميات تعكس التوترات السياسية والثقافية التي تسود البلاد والتي يمكن أن تتسارع خلال فترات الأزمات الدولية.

من المهم أن يتم التعامل بحذر مع هذه التطورات لتجنب التصاعد في التوترات العنصرية والدينية. يتطلب التفاهم والحوار المفتوح تحقيق توازن بين حرية التعبير وضرورة تجنب التحريض والكراهية. في هذا السياق، يلعب وسائل الإعلام والزعماء السياسيون دوراً هاماً في توجيه النقاشات وتشجيع الحوار البناء.

تبدو التحليلات التي تقدمها توفير نظرة على تعقيدات وتحديات وجهها الرئيس جو بايدن في التعامل مع الأزمة الحالية في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بحرب غزة. يعترف الرئيس بايدن بالتحديات المتزايدة والفظائع المحتملة في حال استمرار الصراع، ومع ذلك، يظهر تمسكه بتصوّره الجيوسياسي للوضع ورفض فكرة وقف إطلاق النار حالياً.

يدرك الرئيس بايدن أن الحرب مقبلة على المزيد من الفظائع وربما التهجير، لكنه ليس في وارد وقفها، وهذا ما يفسر رفضه فكرة وقف إطلاق النار. أغراضها الجيوسياسية تتخطى الردّ على "الإرهاب" كما يسمونه، ومشكلته أنها محكومة بإثارة احتجاجات مكلفة انتخابياً وربما أمنياً، لكنه لا يملك حتى تحديد سقف لها. التقديرات تتحدث عن أسبوعين وبعضها عن شهرين أو ثلاثة. حتى الآن، احتمالات تطور المواجهة مفتوحة، وكذلك معركة انتخابات الرئاسة.

إلا أن هذا الموقف يحمل تكلفة سياسية وانتخابية، حيث يمكن أن يثير احتجاجات وتوترات داخلية وربما يؤثر على مستوى الأمان الوطني.

تبقى المستقبل غير واضح، وتقديرات حول مدى تطور المواجهة ومدى استمرارها تظل مفتوحة. يعتبر تحليل هذه التحديات وتحديد الاستجابة الأمثل من قبل إدارة بايدن أمراً حاسماً للتأثير على المستقبل السياسي والأمني للولايات المتحدة وللعلاقات مع المنطقة.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!