التحاليل السياسية
التدخل الأمريكي في استفتاء إقليم باشور كوردستان وانتخابات الإدارة الذاتية في روج آفا
بقلم: د. عدنان بوزان
تعتبر السياسة الخارجية الأمريكية واحدة من العوامل الرئيسية المؤثرة في الشرق الأوسط، حيث تتشابك المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية. من بين هذه المصالح، تبرز قضية الكورد ودورهم في المنطقة. على مدى العقود الماضية، شكلت القضية الكوردية محوراً هاماً في السياسات الإقليمية والدولية، حيث يسعى الكورد لتحقيق طموحاتهم الوطنية في ظل تحديات وصراعات متعددة. في هذا السياق، نجد أن الولايات المتحدة نصحت إقليم باشور كوردستان بتأجيل عملية الاستفتاء في عام 2017، وهي الآن تنصح الإدارة الذاتية في روج آفا بتأجيل عملية الانتخابات الجارية في هذا الشهر.
أولاً: الخلفية التاريخية والسياسية
1- إقليم باشور كوردستان (كوردستان العراق)
في 25 سبتمبر 2017، أجرى إقليم كوردستان العراق استفتاءً على الاستقلال، وهو الخطوة التي اعتبرت تاريخية بالنسبة للكورد. إلا أن هذا الاستفتاء لم يلقَ قبولاً من الحكومة العراقية المركزية أو من القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة. كانت النصيحة الأمريكية بإلغاء أو تأجيل الاستفتاء تستند إلى مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في العراق والمنطقة بأكملها. أثارت هذه الخطوة قلق واشنطن من احتمال تصعيد الصراع مع الحكومة المركزية في بغداد، والتي رفضت بشدة نتائج الاستفتاء وفرضت عقوبات اقتصادية وسياسية على الإقليم.
2- الإدارة الذاتية في روج آفا (شمال وشرق سوريا)
في الوقت الحاضر، تواجه الإدارة الذاتية في روج آفا، التي تشمل مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، تحديات مماثلة. تسعى الإدارة الذاتية إلى إجراء انتخابات محلية لتكريس سيطرتها وتثبيت مشروعها السياسي. إلا أن الولايات المتحدة، بناءً على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، تنصح بتأجيل هذه الانتخابات. تتعلق النصيحة الأمريكية بمخاوف من تصاعد التوترات مع الحكومة السورية وحلفائها، وخاصة تركيا التي تعارض بشدة أي شكل من أشكال الحكم الذاتي للكورد في سوريا.
ثانياً: المصالح الاستراتيجية الأمريكية
1- في إقليم باشور كوردستان
تتمثل المصالح الأمريكية في إقليم كوردستان العراق في عدة جوانب رئيسية:
أ- الاستقرار الإقليمي: تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على استقرار العراق ككل، وهو ما تعتبره ضرورياً لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
ب- محاربة الإرهاب: كان الكورد شركاء أساسيين في الحرب ضد داعش، وأي زعزعة لاستقرار المنطقة قد تؤثر سلباً على جهود مكافحة الإرهاب.
ج- العلاقات مع بغداد: تحاول واشنطن الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومة المركزية في بغداد لضمان استمرار التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال العسكري والاقتصادي.
2- في روج آفا
أما في شمال وشرق سوريا، فتتمثل المصالح الأمريكية في:
أ- مكافحة الإرهاب: تلعب قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، دوراً رئيسياً في الحرب ضد داعش.
ب- التوازن الإقليمي: تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على توازن القوى في سوريا، وهو ما يتطلب إدارة دقيقة للعلاقات مع تركيا، التي تعتبر قوات قسد تهديداً لأمنها القومي.
ج- الاستقرار السياسي: ترغب واشنطن في تجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة السورية وتعقيد الأوضاع الإنسانية والسياسية في المنطقة.
ثالثاً: التحليل السياسي
1- التأجيل في باشور كوردستان
قرار الولايات المتحدة بنصح إقليم كوردستان بتأجيل الاستفتاء يعكس محاولة واشنطن لتجنب انفجار أزمة جديدة في الشرق الأوسط. على الرغم من دعمها التاريخي للكورد، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لتحقيق توازن بين دعمها للطموحات الكوردية وضرورة الحفاظ على استقرار العراق ككل. جاءت النصيحة الأمريكية في ظل ظروف حساسة للغاية، حيث كانت الحكومة العراقية وحلفاؤها الإقليميون يعارضون بشدة أي خطوة نحو استقلال الإقليم. ونتيجة لذلك، اختارت واشنطن نصيحة الكورد بتأجيل الاستفتاء لتجنب ردود فعل عكسية من بغداد وطهران وأنقرة.
2- التأجيل في روج آفا
بالنسبة لروج آفا، تعكس النصيحة الأمريكية بتأجيل الانتخابات المحلية قلق واشنطن من احتمال تصعيد التوترات مع تركيا والحكومة السورية. تعتبر تركيا أي خطوة نحو تعزيز الحكم الذاتي الكوردي في سوريا تهديداً لأمنها القومي، ما قد يدفعها إلى تصعيد العمليات العسكرية ضد المناطق الكوردية. كما أن الحكومة السورية، بدعم من روسيا وإيران، تعارض بشدة أي شكل من أشكال الحكم الذاتي في شمال وشرق سوريا. في هذا السياق، تسعى الولايات المتحدة إلى تأجيل الانتخابات لتجنب تصعيد الموقف وتوفير الوقت لإيجاد حلول سياسية تفاوضية.
رابعاً: التحديات والمخاطر
1- في باشور كوردستان
أ- الاستياء الشعبي: قرار تأجيل الاستفتاء قد يثير استياءً شعبياً في كوردستان العراق، حيث يطمح العديد من الكورد إلى الاستقلال.
ب- العلاقات مع بغداد: قد يؤدي التأجيل إلى تعقيد العلاقات مع الحكومة المركزية، التي قد ترى في ذلك تراجعاً مؤقتاً فقط.
ج- الدعم الدولي: يمكن أن يؤدي هذا التأجيل إلى خيبة أمل بين الحلفاء الدوليين الذين يدعمون حقوق الكورد.
2- في روج آفا
أ- التوترات مع تركيا: تأجيل الانتخابات قد لا يكون كافياً لتهدئة التوترات مع تركيا، التي قد تواصل ضغطها العسكري والسياسي.
ب- الاستقرار الداخلي: قد يؤدي التأجيل إلى اضطرابات داخلية بين الفصائل الكوردية والعربية المختلفة في روج آفا.
ج- الدعم الروسي: يمكن أن تستغل روسيا وإيران تأجيل الانتخابات لتعزيز نفوذهما في المنطقة على حساب الولايات المتحدة.
الخلاصة، تعكس النصيحة الأمريكية بتأجيل الاستفتاء في إقليم كوردستان العراق والانتخابات في روج آفا استراتيجية معقدة تهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين دعم الطموحات الكوردية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. تأتي هذه النصائح في سياق تحديات متعددة تواجهها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك محاربة الإرهاب، العلاقات مع الحلفاء الإقليميين، والتعامل مع الأزمات السياسية والإنسانية المستمرة. يظل السؤال الأبرز هو كيفية تحقيق توازن مستدام يضمن حقوق الكورد دون تعريض الاستقرار الإقليمي لمزيد من التهديدات.
رأيي في الموضوع
بكل تأكيد، هناك إيجابيات لما حصل في إقليم كوردستان العراق. فالاستفتاء على الاستقلال كان خطوة جريئة تعبر عن تطلعات الشعب الكوردي نحو تحقيق حلمه التاريخي في تأسيس دولته المستقلة. هذه الخطوة أسهمت في تعزيز الهوية القومية الكوردية وأظهرت للعالم تصميم الكورد على السعي لتحقيق أهدافهم السياسية. كما أثار الاستفتاء اهتماماً دولياً بالقضية الكوردية وسلط الضوء على حقوقهم المشروعة.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل النكسات التي تعرض لها الإقليم نتيجة لهذا الاستفتاء. فرضت الحكومة العراقية إجراءات عقابية تضمنت حظر الطيران الدولي وتعزيز السيطرة على المناطق المتنازع عليها مثل كركوك. هذه التطورات أثرت سلباً على الاقتصاد المحلي وأضعفت الموقف السياسي لإقليم كوردستان في مواجهة الحكومة المركزية في بغداد. بالإضافة إلى ذلك، زادت هذه الخطوة من التوترات مع دول الجوار مثل تركيا وإيران، اللتين ترفض أي شكل من أشكال الاستقلال الكوردي.
فيما يتعلق بنصيحة الولايات المتحدة بتأجيل الانتخابات في روج آفا، أعتقد أنها محقة. المنطقة تشهد توترات كبيرة، سواء من تركيا التي تعتبر أي حكم ذاتي كوردي تهديداً لأمنها القومي، أو من الحكومة السورية التي لا تزال تسعى لاستعادة السيطرة على جميع الأراضي السورية. الضغوط الإقليمية المتزايدة تجعل من الصعب إجراء انتخابات حرة ونزيهة في هذه الظروف المتقلبة.
بناءً على ذلك، أؤيد نصيحة الولايات المتحدة بتأجيل الانتخابات في روج آفا إلى حين انتهاء الانتخابات الأمريكية. هذا التأجيل لا يعني إلغاء العملية الانتخابية بل يهدف إلى توفير الوقت اللازم لتهدئة الأوضاع وإجراء حوار شامل بين جميع الأطراف المعنية. تأجيل الانتخابات يمكن أن يساهم في تجنب تصعيد التوترات ويوفر فرصة لترتيب الأوضاع الداخلية والخارجية بشكل أفضل.
في النهاية، يبقى الهدف الرئيسي هو تحقيق استقرار مستدام وضمان حقوق الكورد ضمن إطار سياسي واقتصادي متين. تأجيل الانتخابات في روج آفا يمكن أن يكون خطوة استراتيجية تساهم في تحقيق هذا الهدف، من خلال منح الوقت اللازم للتعامل مع التحديات الراهنة وبناء أسس أقوى لمستقبل أفضل.