تقسيمات السيطرة والنفوذ: تأثيرات التدخلات الروسية والتركية على سوريا

بقلم: د. عدنان بوزان

 في الوقت الذي تشهد فيه الأراضي السورية نزاعات متعددة وتدخلات خارجية معقدة، تتحوّل الحدود بين سوريا وتركيا إلى منطقة تنافس وتصارع على النفوذ والسيطرة. يعكس هذا التحول الجيوسياسي الديناميكيات المعقّدة والمتغيرة التي تعيشها المنطقة، مع تأثيرات مباشرة على الشعبين السوري والتركي.

بدأت هذه القصة بتفجّر الثورة السورية في عام 2011، التي بدأت كانتفاضة سلمية ثم تحولت سريعاً إلى نزاع مسلح، مما دفع الدول المجاورة إلى التدخل بمختلف الطرق. لكن اللافت للنظر هو تأثير التدخلات الروسية والتركية، التي أدت إلى تشكيل ملامح جديدة للسياسة والاقتصاد والأمن في المنطقة.

بعد أن أعادت روسيا بقوة التوازن العسكري في الصراع السوري عام 2015، باتت لها دوراً حاسماً في تحديد مسار النزاع وتوجيه الأطراف نحو حلول معينة. ومن جهتها، اتخذت تركيا مواقف تداخلية أكثر وضوحاً، خاصة مع توسع نفوذها السياسي والعسكري في شمال سوريا.

تعكس تطورات الأعوام الأخيرة تصاعد الصراع على النفوذ بين الدولتين، حيث يُحكمان التوازن السياسي والعسكري في المنطقة. وبالتزامن مع ذلك، تتجلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه التدخلات، خاصة في ما يتعلق بتدفّق اللاجئين والتأثيرات على الاقتصاديات المحلية.

في هذا السياق، يسعى هذا المقال إلى فهم أعمق لتأثيرات التدخلات الروسية والتركية على سوريا، وكيف يتشكّل المشهد السياسي والاقتصادي والأمني في ظل هذه الديناميكيات المعقّدة. سيتم استكشاف التحولات الحاصلة في هذه المنطقة المهمة، بالإضافة إلى تقديم تحليل شامل لتأثيرات هذه الظواهر على الاستقرار الإقليمي والدولي.

بفعل الأحداث الدامية والتحولات السياسية المتلاحقة في سوريا، شهدت الحدود الشمالية للبلاد تقسيماً إلى كانتونات، حيث باتت هذه المناطق تتمتع بدرجات متفاوتة من الحكم الذاتي. وعلى الرغم من التنوع في درجات الحكم الذاتي، فإن أربعاً من هذه المناطق تتلقى دعماً ملموساً من تركيا، وتعتمد عليها في العديد من الجوانب، سواء في الجوانب السياسية أو الاقتصادية.

ومع استمرار المفاوضات غير المباشرة بين تركيا وسورية، فإن هذا الحوار قد يؤدي إلى إدخال تعديلات على حدود هذه الكانتونات. ورغم أن هذه التعديلات قد تكون مطلوبة لتحقيق استقرار أكبر في المنطقة، إلا أنها من المرجح أن لا تؤدي إلى تغيير جذري في ظاهرة الكانتونات ذاتها، بل قد تعكس تكيّفاً ضرورياً مع التطورات السياسية والأمنية الجارية.

تُعدّ هذه الكانتونات نموذجاً لتقسيم السلطة والسيطرة في المنطقة، وتجسد تداعيات الصراعات المعقدة التي تشهدها سوريا، والتي تتأثر بتداخل المصالح الدولية والإقليمية. ومع تزايد تأثير تركيا في المنطقة، يصبح لها دور أساسي في تشكيل مستقبل هذه الكانتونات، وربما قد تشهد الحدود التي تفصل بين البلدين تغييرات تكميلية تعكس النتائج النهائية لهذه المفاوضات.

ومع ذلك، يبقى السؤال الملحّ حول مدى استقرار هذه الكانتونات في ظل الظروف الراهنة، وإلى أي مدى يمكن لتدخلات الأطراف الخارجية أن تؤثر على مستقبلها. ففي النهاية، يتعين على الأطراف المعنية أن تعمل بجدية على تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، مع الاعتراف بأهمية حقوق الشعبين السوري والتركي في تقرير مصيرهما وتطوير مستقبلهما بشكل سلمي وديمقراطي.

تحولات الحدود والسيطرة في شمال سورية: عوامل ومسارات

محاور أساسية:

1- تأثير التدخلات الخارجية وتحولات المنظومة التجارية: بات تقسيم جزء كبير من شمال سورية أمراً واقعاً نتيجة عدة عوامل متراكمة، منها التدخل التركي الذي أثر بشكل كبير على المشهد السياسي والعسكري في المنطقة. كما ساهمت العملية العسكرية التي نفذها النظام السوري بدعم من روسيا في تغيير ديناميكيات الصراع وتقسيم السيطرة في المنطقة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل شهدت المنظومة التجارية تحولاً نحو جنوب تركيا، مما أدى إلى اقتصاد معتمد بشكل كبير على المساعدات العابرة للحدود وتحت سيطرة تركيا.

2- تحول تركيا من دعم المعارضة السورية إلى مواجهة القضية الكوردية: فضلاً عن مسار الآستانة، أصبحت تركيا قادرة على تحويل تركيزها السياسي والعسكري من دعم المعارضة السورية إلى مواجهة القضية الكوردية على حدودها الجنوبية. وقد أدى هذا التحول إلى تغييرات جذرية في السياسة التركية تجاه الصراع السوري والأطراف المشاركة فيه.

3- التقارب الأمني بين دمشق وأنقرة بفضل مسار الآستانة: أفضى مسار الآستانة جزئياً إلى تحقيق تقارب أمني بين دمشق وأنقرة، حيث تطوّرت المفاوضات غير المباشرة من خلال هذه المنصة إلى محادثات أوسع بوساطة روسية وغيرها، والتي أثرت بشكل مباشر على الوضع الأمني والسياسي في المنطقة.

خلاصات:

أولاً: استدامة الكانتونات السورية التي شكّلتها تركيا: تمكنت الكانتونات السورية التي شكّلتها تركيا من تحقيق استدامة اقتصادية، بفضل العمليات العسكرية والنشاط التجاري الواسع عبر الحدود، وزيادة السيطرة التركية على قنوات المساعدات الدولية.

ثانياً: عدم قدرة النظام السوري على استعادة السيطرة على الشمال الغربي: رغم أي أوهام قد تراود النظام السوري بالقدرة على استعادة السيطرة على الشمال الغربي، فإن تجربته في درعا أظهرت عجزه عن استيعاب المعارضة والسكان في مناطق الثوّار.

ثالثاً: استمرار ظاهرة الكانتونات في المستقبل القريب: يبدو أن ظاهرة الكانتونات لن تزول في المستقبل القريب، وربما تستمر العملية بتعديلات مستقبلية، حيث تظل إدلب والكانتونات الثلاثة الخاضعة للنفوذ التركي قائمة بشكل أو بآخر، في انتظار بلورة إطار وطني لإعادة دمجها مع باقي الأراضي السورية، مما يجعل السيناريو المستقبلي لهذه المنطقة بعيد المنال.

تأثيرات ظاهرة الكانتونات:

1- زيادة التوترات الحدودية: أدت الكانتونات إلى زيادة التوترات الحدودية بين سوريا وتركيا، مما أدى إلى تصاعد المواجهات العسكرية وزيادة التوترات بين البلدين.

2- تعقيد العلاقات الثنائية: أدت ظاهرة الكانتونات إلى تعقيد العلاقات بين سوريا وتركيا وزيادة التوترات بين البلدين، مما أثر سلباً على العلاقات الثنائية بينهما.

3- التأثير على الأمن الإقليمي: تسببت ظاهرة الكانتونات في زيادة التوترات في المنطقة وتعقيد الأمن الإقليمي، حيث أدت إلى انعكاسات سلبية على الاستقرار الإقليمي وزيادة التوترات بين الدول المجاورة.

4- تأثير على السكان المحليين: تسببت الكانتونات في تقسيم السكان المحليين وتفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية داخل كل كانتون، مما أثر على الاستقرار والسلم الاجتماعي في المنطقة.

في النهاية، تعتبر ظاهرة الكانتونات في سوريا وتركيا نتيجة للعديد من العوامل المعقدة والتحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة. تسببت هذه الظاهرة في زيادة التوترات بين البلدين وتعقيد العلاقات بينهما، مما أثر على الأمن الإقليمي والاستقرار السياسي. يجب على البلدين البحث عن حلول سلمية لهذه الأزمة والتعاون في تعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة بشكل عام.

في الختام، تبين من خلال هذه التفاصيل أن الحرب السورية لم تكن مجرد صراع محلي، بل تداخلت فيها مصالح دولية وإقليمية متشابكة. بات تقسيم السيطرة وتشكيل الكانتونات جزءاً لا يتجزأ من الواقع السوري، ومن المرجح استمرار هذا التوزيع في المستقبل، مما يتطلب جهوداً دولية لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!