مآلات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية: تفكك الدولة وانفجار الشرق الأوسط
- Super User
- مآلات
- الزيارات: 2057
بقلم: د. عدنان بوزان
منذ أيام، نشهد تصعيداً غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، تجاوزت فيه المواجهة إطارَ الصراع غير المباشر أو المناوشات الأمنية، لتدخل في طور حرب مفتوحة متعددة الأوجه: صواريخ، واغتيالات، وعمليات سيبرانية، وهجمات بطائرات مسيّرة.
هذه ليست حرباً تقليدية بين جيشين متقابلين على أرض المعركة، بل هي حرب هجينة تتقاطع فيها الجغرافيا بالتكنولوجيا، والدين بالجيوسياسية، والعلني بالسري، وتتشابك فيها أطراف داخلية وخارجية.
- في الحاضر: مشهد حرب معقّد ومتشابك
في هذه اللحظة تحديداً، لا يمكن حصر الحرب في حدود إيران وإسرائيل فقط. فالجبهات المتعددة التي انطلقت منها النيران — من جنوب لبنان، إلى سوريا، فالعراق، واليمن — تُعبّر عن الطابع الشبكي للنزاع؛ إذ تقاتل إيران بنفسها وعبر وكلائها العقائديين والميدانيين، بينما تضرب إسرائيل بعنف مباشر، معتمدة على تفوّقها الجوي، والتقني، والسيبراني.
إيران تردّ باستخدام صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وتعتمد على أذرعها الإقليمية لتنفيذ ضربات دقيقة ومدروسة. لكنها، رغم زخمها، تفتقر إلى غطاء جوي فعّال، ولا تمتلك منظومات دفاع صاروخي متطورة. في المقابل، تمتلك إسرائيل منظومات متقدمة جداً، مثل "القبة الحديدية" و"آرو"، تمكّنها من اعتراض نسبة كبيرة من هذه الهجمات.
غير أن هذه المعادلة العسكرية لا تُحسم بالأرقام والتكنولوجيا فقط، بل بالعوامل النفسية والاجتماعية والسياسية. فكلا الدولتين تعانيان داخلياً؛ فإيران تواجه أزمة اقتصادية خانقة، وسخطاً شعبياً متزايداً، وتصدّعاً داخل مؤسسات الدولة. أما إسرائيل، فرغم قوتها، فهي تعاني من انقسامات داخلية حادة، وتمزق في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتصاعد للتيارات الفاشية، ما يُضعف تماسك الجبهة الداخلية.
- في المستقبل: ثلاث مسارات محتملة
الحرب الجارية قد لا تنتهي بسرعة، ولا بانتصار تقليدي لطرف على آخر، بل من المرجّح أن تتجه الأمور نحو أحد المسارات الثلاثة التالية، أو مزيج معقّد منها:
أولاً: سيناريو الحرب الشاملة
قد تتسع رقعة الحرب لتشمل تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وتحويل البنية التحتية الإيرانية إلى أنقاض، مما يُعيد إيران إلى مرحلة ما بعد الحرب العراقية–الإيرانية، ولكن دون أفق واضح للتعافي. هذا السيناريو يحمل في طياته احتمال تفكك الدولة الإيرانية إلى كيانات قومية أو طائفية، كما حدث في العراق وسوريا، لا سيما إن ترافق مع دعم أمريكي أو دولي صريح لمشروع إعادة تشكيل إيران من الداخل.
لكن في المقابل، فإن هذا التصعيد سيفتح أبواب الجحيم على إسرائيل، التي ستكون عرضة لصواريخ حزب الله الكثيفة، وعمليات في العمق الإسرائيلي يصعب احتواؤها. وقد تتعرض تل أبيب لضربات تفوق قدرتها على الردع، ما يعني أن "النصر" العسكري قد يأتي مقابل "خسارة استراتيجية" بعيدة المدى.
ثانياً: سيناريو الحرب الطويلة بالوكالة
وهو السيناريو الأرجح على المدى المتوسط، حيث لا ينتصر أحد بشكل حاسم، وتستمر الحرب عبر أذرع وأدوات غير مباشرة. تبقى الساحة السورية مشتعلة، ويصعّد الحشد الشعبي في العراق ضد الوجودين الأمريكي والإسرائيلي، بينما يتحرك الحوثيون لقطع طرق الملاحة، ويستنزف حزب الله إسرائيل دون إعلان حرب شاملة.
في هذا السيناريو، تتفكك جغرافيا المعركة، وتتشظى الحقيقة، وتُنهك المنطقة من دون أن تُحسم المعركة.
ثالثاً: سيناريو التسوية القسرية
قد يظهر هذا السيناريو إذا أُنهكت الأطراف واشتد الضغط الدولي، خصوصاً من الولايات المتحدة وروسيا والصين، التي لا ترغب في حرب إقليمية شاملة في هذه اللحظة. في هذه الحالة، تُفرض تسوية سياسية بعد دمار كبير، عبر ترتيبات أمنية جديدة، وربما اتفاقات معلنة أو سرية، تُنهي المشروع النووي الإيراني مقابل ضمانات أمنية، وتُعاد صياغة التحالفات الإقليمية.
لكنها ستكون تسوية فوق الركام، تُستبدل فيها الحرب الساخنة بـ"هدنة باردة" مليئة بالهواجس.
- التأثير الأوسع على الشرق الأوسط
الحرب الدائرة ليست شأناً إيرانياً – إسرائيلياً فقط، بل تضرب صميم البنية الإقليمية للشرق الأوسط. فكلّ انفجار في طهران أو تل أبيب، يولّد هزّات ارتدادية في دمشق، وبيروت، وبغداد، والرياض، وأنقرة، وصنعاء، وغزة، وعمّان، والقاهرة.
- سياسياً: قد تسقط أنظمة، وتُعاد صياغة الحدود.
- اجتماعياً: موجات نزوح هائلة، وتفاقم للخطابات الطائفية والعرقية.
- اقتصادياً: تضاعف أسعار النفط، وارتفاع التضخم، وانهيار عملات وطنية.
- ثقافياً وإعلامياً: انتعاش خطاب الكراهية، وانقسام الشعوب، وتزايد دعايات الحرب.
في الخلاصة: حرب تعيد تشكيل العالم العربي
لسنا أمام مجرد مواجهة بين دولتين، بل في قلب لحظة تاريخية مفصلية تشبه ما حدث إبّان الحربين العالميتين، أو اجتياح العراق. ما نشهده الآن قد يكون الشرارة الأولى لتنفيذ "خريطة الشرق الأوسط الجديد" — لا عبر اتفاقيات سايكس – بيكو، بل عبر النار والخراب.
من سينتصر؟ ربما لا أحد. ومن سيخسر؟ على الأرجح الجميع.
لكن السؤال الأهم:
ما الذي سيبقى من الشرق الأوسط بعد هذه الحرب؟
هل سنشهد ولادة دول جديدة؟ أم خراباً طويل الأمد؟
هل يمكن أن ينبثق شرق أوسط جديد من رحم الجراح؟
أم أننا سنبقى نتناسل من رمادنا... جثثاً بلا مستقبل؟
الزمن وحده كفيل بالإجابة. لكن ما يمكن قوله الآن، بيقين لا يخطئ: لقد دخلنا طوراً جديداً من التاريخ... لا عودة منه.