الدين وصراع الهويات في الشرق الأوسط: قراءة في الجذور والتجليات
- Super User
- بانوراما ثقافية
- الزيارات: 2359
بقلم: د. عدنان بوزان
مقدمة: الدين بين الإيمان والسلطة
منذ فجر التاريخ، لم يكن الدين مجرّد إجابة على أسئلة الإنسان الوجودية، بل كان بنية متكاملة تحكم رؤيته للعالم، للزمن، للموت، وللمطلق. فالدين، في أصله الأول، لم ينشأ كنسق سياسي، ولا كجهاز أيديولوجي، بل كمحاولة للاتصال بالمجهول، وللتماهي مع ما يتجاوز الفناء. لكن ما إن خرج الدين من معبده، ولامس أرض السلطة، حتى دخل في علاقة مركّبة ومأزومة مع التاريخ، ومع الجماعة، ومع الدولة، ومع الآخر المختلف. ومنذ تلك اللحظة، لم يعد الدين شأناً خاصاً، بل أصبح إحدى أقوى أدوات تشكيل الجماعات، وصياغة الهويات، وإعادة إنتاج السلطة نفسها.
لقد كان الدين، دائماً، قوة مزدوجة: في طياته بذور السلام كما بذور الحرب، فيه العزاء كما فيه التهديد، وفيه الرحمة كما فيه الحاكمية. وكلما زادت هشاشة المجتمعات، وكلما تصدّعت منظومات القيم المدنية، كان الناس يعودون إلى الدين لا بصفته إيماناً، بل بصفته حصناً للهوية. وهنا، يكفّ الدين عن أن يكون رابطاً بين الإنسان والسماء، ويصبح درعاً في مواجهة الإنسان الآخر.
في الشرق الأوسط، هذه الأرض التي أُشبعت بالوحي والدم، تداخل الدين مع كل شيء: مع اللغة، مع العِرق، مع التاريخ، مع الذاكرة الجماعية، بل ومع الأرض نفسها. في هذه المنطقة، لم تكن الأديان الإبراهيمية مجرّد نصوص مقدسة، بل كانت أنظمة حُكم، وقواعد اجتماع، وحدوداً جغرافية، ومشاريع توسّع. ولهذا، فإن سؤال الدين ليس سؤالاً لاهوتياً فقط، بل هو سياسي، واجتماعي، وثقافي، بل وجودي أحياناً.
حين نقرأ التاريخ السياسي للمنطقة، من قيام الدول وحتى انهيارها، من الحروب الصليبية إلى الاجتياح الأمريكي للعراق، من الصراع العربي-الإسرائيلي إلى الحروب الأهلية الطائفية، نكتشف أن الدين لم يكن حاضراً فقط كعقيدة، بل كهوية. والهويات، حين تُبنى على المطلق، تكون قاتلة. لأن الإيمان، حين يُختزل في "نحن" و"هم"، لا يعود إيماناً بل يتحوّل إلى أداة فرز وإقصاء. وهكذا، بدل أن يكون الدين وسيلة للخلاص الفردي، يصبح تبريراً للقتل الجماعي.
والأخطر من كل ذلك، أن السلطة، حين تدخل على خط الدين، تُفسده. تستعمله لتبرير استبدادها، لتجميل وجهها الدموي، ولإقناع الجماهير أن الطاعة لها طاعة لله. وهنا، يتحول النبي إلى زعيم، والكتاب المقدّس إلى دستور حكم، والمسجد أو الكنيسة أو الكنيس إلى منبر دعاية. وهذا ما يجعل من سؤال الدين سؤالاً مزدوجاً: سؤالاً عن جوهر الإيمان، وسؤالاً عن حدود السلطة.
فهل الدين، في جذره الإنساني، يدعو إلى العنف؟ أم أن العنف يتسلّل إليه عبر بوابة الهوية والسلطة؟ وهل يمكن تحرير الإيمان من هيمنة الجماعة، ومن ابتزاز الدولة، ومن اغتصاب السياسة له؟ وهل لا يزال ممكناً أن نرى في الدين فضاءً مفتوحاً للتأمل والحكمة، بدل أن نراه متراساً للرفض والاحتقار والكراهية؟
بهذه الأسئلة، لا نرغب في تفكيك الأديان، بل في تفكيك آليات استخدامها. ولا نسعى إلى نفي المقدّس، بل إلى فضح من يحوّله إلى سيف. فالدين، في أصله، خطاب معنى؛ أما حين يُستخدم لتبرير العرق أو الطائفة أو المشروع القومي، فإنه يتحوّل إلى خطاب موت.
أولاً: الهويات الكبرى في الشرق الأوسط: من الإله إلى القبيلة
الشرق الأوسط ليس مجرد مسرح للأحداث، بل هو ذاكرة كونية معقّدة، حُفرت فيها خطوط النار والإيمان، وتشابكت فيها آلهة السماء بخرائط الأرض. هنا، لم تتجاور الأديان وحسب، بل تنازعت على المعنى، على الزمن، على الأبدية. وما أن بدأت الأديان الكبرى الثلاث—اليهودية، المسيحية، والإسلام—تتشكل في هذا الحيز، حتى شرعت ببناء سرديات كبرى حول الخلاص، والحقيقة، والاختيار الإلهي. لكن هذه السرديات لم تبقَ ضمن الحيّز الروحي، بل تحولت مع الزمن إلى هويات صلبة، مغلقة، قاتلة أحياناً، نُقشت لا بالحبر، بل بالدم.
إنّ أخطر ما حدث في هذا الإقليم لم يكن نشوء الأديان، بل تحوّل الدين إلى أداة تعريف الجماعة، أي إلى هوية. فالهويات الدينية هنا ليست مجرد انتماء شخصي، بل هي صكّ وجود جماعي، تُسنده الأسطورة، وتدعمه النبوة، ويشرّعه النص. ولأن النص ديني، فهو يُفهم على أنه مطلق، وغير قابل للنقد أو التفكيك، وهذا ما يجعل من الهوية الدينية بنية لا تقبل التفاوض أو التعدد، فتُصنّف الآخر مباشرة باعتباره غريباً، نجساً، عدواً، أو مرفوضاً في أحسن الأحوال.
لننظر في تمفصل هذه الهويات الثلاث:
1- اليهودية – من شعب الله المختار إلى الدولة الدينية المسلحة
في سياق العزلة والاضطهاد التاريخي، ولدت اليهودية كدين لأقلية محاصرة، تحاول أن تبني معنى للبقاء في وسط عالمٍ وثنيّ وعدواني. وهكذا نشأ مفهوم "الاختيار الإلهي" لا كعقيدة تفوّق، بل كعقيدة بقاء. لكن المأساة تبدأ حين يتحول خطاب البقاء إلى خطاب استعلاء، وحين تُترجم "العهد الإلهي" إلى مبرر سياسي لإقامة دولة، لا على أساس المواطنة، بل على أساس الانتماء الديني/الإثني.
لقد تحوّلت إسرائيل إلى النموذج الفاضح لاستخدام الدين كشرعية تأسيس، لا لمجتمع تعددي، بل لدولة إثنية مغلقة، قائمة على طرد "الآخر" من الجغرافيا والتاريخ والرمز. "أرض الميعاد" لم تعد وعداً ميتافيزيقياً، بل صارت خارطة عسكرية. وسردية "الاضطهاد الأبدي" تحولت إلى أخطر أدوات الهيمنة النفسية والسياسية على العالم. وهكذا، صارت الهوية اليهودية حزمة مشحونة بالخوف، وبالمظلومية، وبالاستثنائية في آنٍ معاً.
2- المسيحية – من الصليب إلى السيف، ومن الخلاص إلى القومية
إذا كانت المسيحية قد نشأت كحركة هامشية تعارض السلطان، وترفع شعار المحبة واللا عنف، فإنها في تحولها التاريخي إلى دين الدولة الرومانية (منذ قسطنطين في القرن الرابع الميلادي)، دخلت حلبة الصراع على السلطة والمعنى. تحوّل الصليب من رمز للخلاص الفردي إلى شعار سياسي يُرفَع فوق جيوش الغزو، وصار المسيح نفسه يُقدّم كملك رمزي لا كمعلّمٍ روحي.
وفي أوروبا الحديثة، بعدما تفتت المسيحية إلى طوائف متنازعة، وتصارعت الكاثوليكية والبروتستانتية قروناً، ولّدت المسيحية الغربية هوية جديدة: الهوية الحضارية المسيحية. وهو ما أدّى إلى تقسيم العالم بين "نحن" المسيحيين "المتحضرين"، و"هم" المسلمون "المتوحشون". وكان هذا أساس الحروب الصليبية، والاستعمار الحديث، بل وحرب الخطاب الثقافي المعاصر.
أما في الشرق، فالمسيحيون وجدوا أنفسهم في حالة "تشظٍ وجودي": لا الغرب يقبلهم كجزء منه، ولا الشرق يعترف بهم كمواطنين متساوين. وهكذا صاروا بين هوية كونية لا تحميهم، وهوية محلية تُقصيهم. بعضهم انكفأ نحو الطائفية، وبعضهم ذاب في الأنظمة القومية، وبعضهم هاجر إلى "الغرب المسيحي" الذي لم يعد مسيحياً سوى بالاسم.
3- الإسلام – من الدعوة إلى الدولة، ومن الرسالة إلى الخلافة
الإسلام، الذي بدأ كرسالة رحمة وتحرر في قلب الصحراء، ما لبث أن تحوّل بسرعة إلى مشروع دولة. وبعد وفاة النبي، بدأت المرحلة السياسية المبكرة، التي انقسم فيها المسلمون حول السلطة قبل أن يختلفوا حول العقيدة. ومنذ اللحظة التي رُفع فيها السيف باسم "الخلافة"، صار الإسلام ديناً سياسياً بامتياز.
وفي توسّعه الكبير، لم يأتِ الإسلام فقط كإيمان، بل كحضارة، وقانون، ونظام حكم، ولغة، ومركزية ثقافية. ومع الزمن، أصبح المسلمون ينظرون إلى أنفسهم كأمة خالدة، مركزية، مكلفة بنشر "الحق"، وحاملة "الخاتم" النبوي. لكن هذا التصور المقدّس للتاريخ والهوية انكسر أمام الحداثة الغربية، وأمام التفكك الداخلي، فبدأت الطوائف الإسلامية تتناحر فيما بينها، وتستدعي كل فرقة نصوصها وسردياتها ومهديّها.
الهوية الإسلامية اليوم تتأرجح بين ثلاث قوى: الأولى هي الحنين إلى الماضي الذهبي؛ والثانية هي صدمة الحداثة؛ والثالثة هي ردة الفعل ضد الآخر الغربي. وهذا ما يفسّر ازدهار الجماعات الجهادية، وعودة الخطاب السلفي، وانتشار الهويات الدينية المغلقة، التي ترى في الآخر "مرتداً" أو "كافراً" أو "عميلاً". أما "الخلافة"، فقد تحولت من حلم روحاني إلى كابوس سياسي.
- من الدين إلى الأيديولوجيا: موت المعنى، وولادة الطائفة
في المجمل، فإن هذه الهويات الدينية الثلاث لم تَعُد مجرد اعتقادات فردية، بل صارت "أيديولوجيات شمولية" تُعطي لأتباعها شعوراً بالتفوّق، وتمنحهم أدوات الفرز والإقصاء، وتزودهم بسرديات تاريخية مغلقة. والأخطر، أن كل هوية دينية باتت ترى ذاتها ضحية، وترى الآخر معتدياً. وهكذا، يدور الجميع في حلقة مفرغة من الخوف، والعنف، والشك، والاستدعاء الدائم للأسطورة.
إنّ الدين، حين يتحوّل إلى هوية سياسية، لا ينتج سلاماً، بل ينتج طوائف. ولا يفتح أبواب التأمل، بل يبني الأسوار. وما نشهده اليوم من صراعات في الشرق الأوسط ليس سوى نتائج منطقية لهويات لم تُفكّك، وسرديات لم تُراجع، ومقدسات لم تُنزع عنها الحصانة النقدية.
ثانياً: الدين كهوية قاتلة: حين يصبح المقدّس سلاحاً
الدين، في لحظته النقيّة، هو علاقة بين الإنسان والمطلق؛ علاقة لا تتوسّطها المؤسسات، ولا تتقيّد بالسياسات، ولا تُقاس بالانتماء القومي أو العرقي. لكنه، حين ينفصل عن بعده الروحي، ويتحوّل إلى هوية جماعية، يبدأ في الانحراف من مجال الإيمان إلى مجال السيطرة. فالهويّة الدينية، خلافاً للإيمان الشخصي، لا تسأل: "بماذا تؤمن؟" بل تقول: "من نحن؟ ومن هم؟". وهي، بذلك، تُنتج سرديات صدام لا لقاء، وتبني حدوداً لا جسوراً، وتخلق صوراً للعدو أكثر مما تُنتج رؤى للخلاص.
تبدأ المشكلة عندما يُختزل الدين في بطاقة هوية، ويصبح الانتماء الديني سلاحاً ثقافياً، لا تجربة روحية. هنا، يتحوّل المقدّس إلى "رمز تعبئة"، إلى وسيلة تعبّر الجماعة بها عن شعورها بالتفوّق أو الخوف أو الإذلال. وعند هذه النقطة، لا يعود الدين نصاً يُفسَّر، بل يصبح تاريخاً يُنتقَم له. وتتحول الجماعة من "أمةٍ تؤمن" إلى "قبيلة تحارب"، ومن "شعب يُصلّي" إلى "أمة تَلعن".
حين تصبح الجماعات الدينية كيانات هوياتية مغلقة، تبدأ بخلق "العدو الرمزي" الذي لا يمكن العيش معه، ولا التفاهم معه، لأنه ليس فقط مختلفاً، بل "باطلاً"، "كافراً"، "نجساً"، أو "مدنّساً للحق الإلهي". وعندها، لا يبقى أمام الخطاب الديني سوى خيارين: الإقصاء أو الإبادة الرمزية، تمهيداً للإبادة الفعلية.
- من الحق إلى الاحتكار: الدين كإعلان حرب صامتة
في قلب كل ديانة كبرى ادعاءُ حقٍّ ميتافيزيقي مطلق: اليهودية تأسست على "عهد إلهي" يربط بين الإله وشعبه المختار؛ المسيحية طرحت نفسها كطريق أوحد للخلاص عبر المسيح؛ الإسلام جاء بخاتمية تُقصي كل ما بعده وتُعيد صياغة الماضي. هذه المقولات، بحد ذاتها، ليست خطيرة ما دامت في مستوى التجربة الفردية. لكن الخطر يكمن حين تتحوّل إلى مشاريع سياسية تُشرعن الإقصاء، وتبرّر الاحتلال، وتُعطي غطاءً دينياً للعنف.
فحين يقول اليهودي المتدين إن الله وعدهم بأرض "لا تتسع لغيرهم"، فإن الآخر، العربي أو الفلسطيني، لا يُرى كمواطن بل كـ"تعدٍّ" على النبوءة. وحين يقول المسيحي إن "لا أحد يأتي إلى الآب إلا بي"، فإن غير المسيحي يُعامل كناقص الخلاص، حتى وإن عاش في المجتمع ذاته. وحين يقول المسلم إن "من لم يؤمن فقد كفر واستحق القتال أو الذمية"، فإن كل المختلفين معه يصبحون في دائرة "الطعن في الحق".
في هذه اللحظة، لا يعود الدين مساحة روحية، بل يتحوّل إلى منبر لإعلان الحرب، حتى وإن بدت الحرب صامتة، مؤجلة، رمزية. وكل جماعة تبدأ برسم حدودها على الخريطة، وعلى الأجساد، وعلى التاريخ.
- الذاكرة كجرح: كيف تتحول المظلومية إلى أيديولوجيا دموية؟
كل هوية دينية في الشرق الأوسط تنطلق من جرحٍ لم يلتئم: اليهودي يتذكّر المحرقة، والمسيحي يتذكّر الاضطهاد الروماني والإسلامي، والمسلم يتذكّر سقوط الأندلس أو غزو المغول أو تفكك الخلافة. لكن بدل أن تتحوّل هذه الذاكرة إلى حكمة، تتحوّل إلى خندق، وإلى أداة تعبئة مستمرة. فالمظلومية لا تُستثمر للصفح، بل تُستثمر للتخويف، ولخلق سردية الضحية الأبدية التي لا يمكن أن تخطئ، والتي تمتلك الحق دائماً في الانتقام.
هكذا، تُختزل العلاقة بين الجماعات في منطق ثأري: كل طائفة ترى ذاتها "ناجية"، والباقي "ضال"، وكل فرقة ترى في الآخر خطراً وجودياً. والأسوأ من ذلك، أن هذه المظلومية تُورّث، ويُعاد إنتاجها في المدارس، والخطب، والإعلام، وحتى في الأمثال الشعبية. ويصبح التاريخ سلسلة من "الهجمات علينا"، بينما يُمحى تماماً أي أثر للمصالحة، أو التسامح، أو التعايش.
- الإنسان يُدفن تحت دينه: من الفعل إلى الأصل
حين تصير الهوية الدينية هي المعيار الوحيد للحكم على الإنسان، يُمحى الفعل، وتُختزل الأخلاق في المعتقد. فلا يعود الآخر يُقيَّم بصفاته، أو أعماله، أو شخصه، بل فقط بانتمائه. وهكذا، يصبح الكافر كافراً قبل أن يتكلم، والمسيحي مشبوهاً قبل أن يتحرك، والشيعي متّهَماً قبل أن يشرح، والسنّي مشكوكاً فيه قبل أن يُسأل.
بهذا المنطق، لا يبقى للدين أيّ مضمون أخلاقي. يتحوّل من منظومة قيم، إلى منظومة حدود. من رسالة حياة، إلى ترسانة فرز. من دربٍ نحو الله، إلى دربٍ لتبرير الكراهية. ويُصبح كل فرد سجيناً في سجن مذهبه، محكوماً عليه بما لم يختره، وبما وُلد عليه.
نهاية المقدّس: حين يصبح الحجاب قناعاً، والآذان نداءً للقتل
حين تصل الهوية الدينية إلى هذه النقطة من التصلب، يُسحق المقدّس ذاته. لا تعود الصلاة صلاة، بل طقساً للتمايز. لا يعود الصوم تقوى، بل فرضًا على الجماعة لتمييز "من معنا ومن ضدنا". ولا يعود الحجاب اختياراً أخلاقياً، بل شارة انتماء سياسي. ويصبح الله هوية حزبية، والسماء خندقاً، والنبي أميراً عسكرياً.
في هذه اللحظة، لا يموت الدين فقط، بل يموت الإنسان. فالمقدّس لا يُشوّه عندما يُهاجم من الخارج، بل حين يُغتال من الداخل. حين يُختزل في شعار، في سلاح، في لعنة، في مقطع فيديو يذبح فيه "المرتد"، أو في نشيد ديني يُعلن الجهاد على المختلفين.
ثالثاً: هل نحن ضحايا الدين أم ضحايا السلطة؟
في قلب السؤال الكبير الذي يفتك بمجتمعات الشرق الأوسط، يكمن هذا الاستفهام المفصلي: هل نحن ضحايا الدين؟ أم أننا، في الحقيقة، ضحايا السلطة حين تُغلف نفسها بالدين؟ وهل الدماء التي سالت باسم السماء، كانت بفعل قناعات المؤمنين، أم بإيعازٍ من حكّامٍ حولوا النصوص إلى أوامر قتل، والفتوى إلى مرسوم حرب؟
الحقيقة الأكثر مرارة هي أن الدين، في صورته الأولى، لم يكن منظومة قمع، بل تجربة وجودية تسعى للإجابة عن أسئلة الإنسان الكبرى: من نحن؟ من أين جئنا؟ وإلى أين نمضي؟ الدين، كخطاب أولي، لم يكن دولة، ولم يكن جيشاً، ولم يكن حدوداً، بل كان دعوة مفتوحة إلى الإيمان، وإلى التزكية الأخلاقية، وإلى التقوى الفردية. لكنه، حين وُضع على رأس الحاكم، وتحوّل إلى عمامة فوق تاج السلطان، فقد براءته، وصار سيفاً مغروساً في جسد المجتمع.
- من الله إلى الدولة: كيف يُستدعى المقدّس حين تفقد السلطة شرعيتها؟
حين تفقد الأنظمة السياسية شرعيتها المدنية – أي شرعيتها القائمة على الكفاءة، والعدالة، والمساءلة – تبدأ بالبحث عن شرعية بديلة. هنا، يتقدّم "الله" بوصفه مصدراً جاهزاً للقداسة، وسلاحاً رمزياً بالغ الفاعلية. فكلما تعفّنت مؤسسات الدولة، استُدعي الخطاب الديني لتغطية رائحتها. وكلما تآكل العقد الاجتماعي، جرى ترقيعه بـ"الشريعة"، و"الهوية الإسلامية"، و"الدفاع عن الدين".
وفي هذه اللحظة بالضبط، يتحوّل الإمام إلى بوق للحاكم، والخطيب إلى أداة تحريض، والمدرسة إلى معسكر تعبئة. ويصبح القرآن أو الإنجيل أو التوراة حبراً يُسكب في صكوك الطاعة، لا نوراً يُضيء طريق الضمير. وتنتقل الخطيئة من أن تكون فعلاً فردياً يُحاسَب عليه المرء أمام الله، إلى أن تصبح "خيانة قومية" يُعاقَب عليها علناً باسم الأمة أو العقيدة.
- الطغيان بثياب الورع: حين يصبح الإله درعاً للدكتاتور
تاريخ الأنظمة السياسية في المنطقة يكشف أن أخطر الطغاة لم يكونوا ملحدين، بل متدينين ظاهرياً. صدام حسين، الخميني، بشار الأسد، بن علي، وغيرهم لا حاجة أن نذكرهم، استخدموا الدين كلٌ بطريقته لتدعيم سلطتهم. ليس لأنهم مؤمنون حقيقيون، بل لأنهم أدركوا أن الجماهير تُستثار باسم الله، وتُستعبد باسم الجنة، وتُجنّد باسم الخوف من الكفر.
وهنا يتجلّى واحد من أخطر التحوّلات: تحوّل الدين من مرجعية أخلاقية إلى مؤسسة أيديولوجية. ومن رسولٍ يبشّر بالحكمة، إلى فقيهٍ يلعن ويُقصي ويُكفّر. ومن روح تسكن القلب، إلى خطاب يقطن أجهزة المخابرات، ويُصاغ في دهاليز الأمن، ويُبث عبر إعلام الدولة الرسمي. لم يعد "الإمام" هو من يفسّر الدين، بل من يُعيّنه القصر الجمهوري. ولم يعد "العالم" هو من يملك المعرفة، بل من يملك القرب من البلاط.
- هل نُقاتِل باسم الدين، أم باسم أنظمة ميتة؟
في حروب الطوائف والمذاهب الممتدة من لبنان إلى اليمن، من العراق إلى السودان، لا يُقتل الناس لأنهم يؤمنون بشيء مختلف، بل لأن أنظمة ما قررت أن "الاختلاف خطر". الميليشيات الإسلامية لا تُسلَّح لأنها متدينة، بل لأنها أدوات في يد قوى إقليمية توزّع النفوذ تحت رايات مذهبية. والدماء التي تسيل في كربلاء، أو على أطراف غزة، أو في معابر درعا، لا تسيل لأن الله أرادها، بل لأن حكاماً أرادوا أن تبقى الجماهير مشغولة بالموت عن مساءلتهم عن الفقر، والفساد، والديكتاتورية.
وهكذا، تتحول العقيدة إلى ساحة قتال، والعبادة إلى عرض عضلات طائفي. يتحوّل "الشيعة" و"السنة" إلى جنود في حروب لا يفهمون بدايتها، ولا يتحكمون في نهايتها. وتُختزل القضية الفلسطينية، مثلاً، من قضية تحرر وطني إلى صراع ديني. ويُنسى العدو الحقيقي، ليصبح الخصم هو "المسلم الآخر" الذي يختلف في تأويل الآية أو طريقة الركوع.
- إذاً من هو الجاني؟ الدين أم الدولة؟
إن محاولة إدانة الدين وحده تشبه لوم السكين على الجريمة، لا من أمسكها وطعن بها. الدين ليس الجاني، بل الوسيط الذي يُختطف حين تُفلس السياسة، وحين يتهرّب الحاكم من مسؤوليته أمام الشعب. الجاني الحقيقي هو السلطة، حين تتخلى عن شرعيتها الأرضية، وتستقوي بالسماء. هو النظام الذي بدل أن يبني المدارس، يبني المعابد. وبدل أن يحمي المواطن، يحمي رجال الدين الذين يباركونه.
لكن الضحية في النهاية هو المواطن. هو الشيعي الذي يُسحَل في منطقة سنّية، والسني الذي يُهجر في حي شيعي، والمسيحي الذي يُتهم بالخيانة لأنه رفض حمل السلاح، واليهودي الذي يُشيطن لأنه يرفض الصهيونية. كل هؤلاء لا يموتون بسبب الله، بل بسبب من استثمر في اسمه ليصنع من الموت أداة حكم.
خاتمة: نحو دين بلا سلطة، وسلطة بلا ادعاء مقدّس
لن تخرج مجتمعاتنا من جحيم الدم إلا إذا أعدنا فصل الدين عن السلطة، ليس فصلاً إقصائياً، بل تحريراً له من التوظيف السياسي. الدين يجب أن يعود إلى مكانه الأول: مجال الضمير، لا مجال القانون؛ مجال الإيمان، لا مجال الحكم؛ مجال المحبة، لا ساحة القتال. والسلطة يجب أن تبني شرعيتها من الدستور، من التنمية، من الحقوق، لا من السماء.
عندها فقط، سنكتشف أن الله لا يقف مع فريق دون آخر، ولا مع طائفة دون أخرى، بل يقف مع الإنسان العادل، بصرف النظر عن دينه.
رابعاً: أي مستقبل للهويات الدينية؟
في عالمٍ تزداد فيه الهويات صلابةً وانغلاقاً، تصبح إعادة التفكير في موقع الدين داخل المجتمع، بل داخل النفس البشرية، حاجةً وجودية لا فكرية فقط. فالمشكلة اليوم ليست في "وجود الدين"، بل في شكل وجوده: هل هو أداة خلاص داخلي؟ أم بطاقة عضوية جماعية؟ هل هو جسر بين الإنسان والمطلق؟ أم جدار يُبنى بين الإنسان وأخيه المختلف؟
الجواب لا يبدأ بإلغاء الدين، ولا ينتهي بعلمنة ساذجة تُقصيه، بل يبدأ بإعادة تعريف الدين من جديد، ليس بوصفه عقيدة جماعية مفروضة، بل كـتجربة فردية حرة، قابلة للتأويل، تتسع لكل تأمل، وتسمح بالخروج والدخول دون لعنةٍ أو تخوين.
- من الدين كهوية إلى الدين كعلاقة
لقد أُفرغ الدين من روحه حين اختُزل في الهوية. لم يعد صلاةً أو تأملاً أو وجعاً صامتاً في القلب، بل صار بطاقة تعريف، تُستخدم في الانتخابات، وفي الحروب، وفي سجلات الولادة. صار الدين يسبق الإنسان لا يتبعه، يحكمه لا يحرره، يحدده لا يفتحه على المجهول.
في هذا العالم، لا يُسأل المرء: بماذا تؤمن؟ بل يُسأل: من أنت؟ سني؟ شيعي؟ ماروني؟ أرثوذكسي؟ حنفي؟ يهودي؟ وهكذا تتحول العلاقة بين الإنسان وربّه إلى علاقة بين الإنسان وقبيلته الدينية. وتضيع الروح في زحام الشعارات الطائفية.
لكنّ الدين، في جوهره الأصيل، لا يحتاج إلى جماعة ليُمارَس. إنه حدث داخلي، صمت خاشع، مواجهة مع الذات. هو لحظة تَذكُّر أن الإنسان ضعيف وزائل، وأن وراء المادة شيئاً أعمق. وهذا النوع من الدين لا يصنع حروباً، ولا يبني سجوناً، بل يبني نفوساً حرة متصالحة مع هشاشتها.
- الدولة المدنية: حين يتحرر القانون من المعتقد
الشرط الأول لبناء مستقبل إنساني للهويات الدينية هو فصل حقيقي لا شكلي بين الدين والدولة. هذا لا يعني أن نُقصي المتدينين من الفضاء العام، بل أن نحمي الدين من السلطة، ونحمي الدولة من احتكار المقدّس. حين يُمنع رجال الدين من صناعة القوانين، ويُمنع السياسي من الاستقواء بالله، فقط حينها تصبح الدولة وطناً لكل أبنائها، لا كنيسة لطائفةٍ واحدة.
الدولة التي تُبنى على قيم المواطنة لا تقتل الدين، بل تُنقذه من أن يتحول إلى أداة قمع. هي لا تمنع الصلاة، بل تمنع فرضها. لا تُحارب الإيمان، بل تحميه من التشويه. فالدولة ليست دار عبادة، ولا منبراً، ولا محراباً، بل هي عقدٌ بين بشر متساوين، مهما اختلفت صلواتهم.
- التربية: من الدين كـ"قدر" إلى الدين كخيار
المستقبل يُبنى في المدارس، لا في المعابد. ولهذا، فإن إصلاح الهوية الدينية يبدأ من الطفولة، حين نُعلّم الطفل أنه إنسان أولاً، لا مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً. أن نمنحه حرية السؤال قبل تلقينه الجواب. أن نربّيه على التفكير لا التبعية، وعلى التعاطف لا الإقصاء.
الطفل لا يُولد طائفياً. بل يُلقّن الطائفية كما يُلقّن الأبجدية. ولهذا، فإنّ مسؤولية المؤسسات التربوية والثقافية هي أن تفكّك آليات الاستعلاء الديني، وأن تزرع في وعي الناشئة أن الإيمان ليس حصناً يُحصّن به ضد الآخر، بل جسراً نحو الآخر. الإيمان الحقيقي لا يزدهر إلا في بيئة تعددية، لأنه لا يحتاج إلى فرض ولا إلى إقصاء، بل إلى حرية.
- نحو إيمان إنساني يتجاوز الطوائف
ربما لا يمكننا إلغاء الدين، ولا يجب. لكن يمكننا أن نحلم بـدين آخر، لا يحارب الاختلاف بل يحتضنه. لا يقول "نحن وحدنا على صواب"، بل يقول: "كلّنا نبحث عن النور بطرق مختلفة". دين لا يعترف بـ"شعب مختار"، بل بـ"إنسان مختار للكرامة". لا يزرع الخوف، بل يحرر من الخوف. لا ينشد الفردوس الموعود عبر الكراهية، بل عبر الرحمة والتواضع.
حين نبلغ هذا النوع من التدين، سنجد أن كل الحروب باسم الدين لم تكن حروباً من أجل الله، بل من أجل السلطة، وأن الله – الحقيقي – لا يُقاتل أحداً، بل ينتظر أن نعود إليه كأفراد، لا كجيوش.
في الختام، في زمننا المضطرب، ليس المطلوب أن نُزيل الدين من المجتمع، بل أن نُنزله من عرشه السياسي، ونحرره من قبضة السلطة، ونُعيده إلى قلب الإنسان. أن نسمح له بأن يكون فضاءً للتأمل، لا خندقاً للقتال. أن يُستعاد بوصفه قوةً أخلاقية، لا هوية استبعادية.
عندها فقط، سيكون لنا دينٌ يُصغي لا يصرخ، يُحاور لا يُكفّر، يُحرر لا يُخيف.
الخاتمة:
في زمنٍ تسوده الانقسامات، وتُدار فيه الحروب باسم "المقدّس"، نجد أنفسنا عالقين في حلقة مفرغة من الصراع، حيث تتحول الهويات الدينية من وسيلة اتصال إلى آلية فرز واستبعاد. فكلّ جماعة تدّعي امتلاك الحقيقة الكاملة، وكلّ طائفة تصوغ لنفسها سردية خلاصية تُقصي الآخر، وتُشيطنه، وتُقدّمه كعقبة أمام تحقيق إرادة الإله. ولكن، إلى متى يمكن للعالم أن يتحمّل عبء هذه "الحقائق المطلقة" التي تحوّلت إلى سكاكين على رقاب البشر؟
لقد حان الوقت لإحداث قطيعة معرفية وروحية مع مفاهيم مثل "شعب الله المختار"، و"الفرقة الناجية"، و"الرسالة الوحيدة"، لأنّ هذه المفاهيم – وإن بدت في ظاهرها لاهوتية – تتحول، في السياق التاريخي والسياسي، إلى أدوات للهيمنة والاقتتال. ما نحتاجه ليس ديناً آخر، بل وعياً آخر للدين؛ وعياً لا يُقيم الإيمان على القطيعة، بل على اللقاء، ولا يُرسّخ الهوية على نفي الآخر، بل على احتوائه ضمن أفق إنساني واسع.
- الهوية ليست لعنة، بل فرصة
ليست الهويات في ذاتها مشكلة، بل في طريقة صياغتها، واستخدامها، وتقديسها. الهوية حين تتصل بالحياة تصبح مساحة تنوع، وحين تتصل بالمقدّس المطلق تتحول إلى مشروع قتال. المطلوب إذاً ليس إنكار الهويات، بل نزع الطابع الإلهي عنها. حين نكفّ عن التفكير في أنفسنا كـ"خير أمة"، و"أبناء العهد"، و"مخلّصي العالم"، سنجد أنفسنا أمام حقيقة بسيطة ومزلزلة: نحن بشر، متساوون في الضعف، وفي الرجاء، وفي الحاجة إلى معنى.
التحرر من الهويات الدينية المغلقة لا يعني اقتلاع الجذور، بل الانفتاح على الجذور الأخرى. فالحياة ليست خطاً مستقيماً من العقيدة إلى النجاة، بل شبكة متداخلة من الأسئلة والقصص والتجارب. والدين الحقيقي لا يخشى هذا التنوع، بل ينبض فيه، لأنه يبحث عن العمق لا عن السيطرة، عن المعنى لا عن العدد.
- الله ليس ملكية خاصة
من أخطر ما فعله البشر هو تحويل الإله إلى "هوية جماعية"، بدل أن يكون مرآة للوجود كله. الإله في المفهوم الإنساني الرحب، لا يمكن اختزاله في كتاب، أو احتكاره من قبل جماعة، أو تسويقه في معركة انتخابية أو عسكرية. الإله الذي يستحق العبادة هو الإله الذي يفتح أبواب الرحمة للجميع، لا الذي يقف على الحدود بين الطوائف حاملاً سيفاً ويقول: أنتم الناجون، والباقون إلى الجحيم.
إن فكرة "نحن فقط مع الله" و"الله فقط معنا"، ليست سوى إسقاطات نفسية تسعى إلى تبرير التفوق، وصناعة العدو، وتغذية وهم الاصطفاء. لكنّ الله، في أفقه المتعالي، لا ينتمي لأحد، ولا يُلزم أحداً بنسخة واحدة من الإيمان. الله لا يوقّع على صكوك الهوية، بل يطلب من الإنسان أن يكتشفه في الآخر، في المختلف، في العابر، في البسيط.
- الإيمان كجسر لا كخندق
إذا أردنا مستقبلاً لا تحكمه الطائفية، فعلينا أن نعيد تعريف الإيمان كموقف شخصي، حرّ، ومسؤول، لا كعلامة قطيعة مع الآخرين. الإيمان ليس راية تُرفع في وجه المختلف، بل جسرٌ نعبر به إلى ضفة التفاهم، إلى منطقة الصمت المشترك، حيث تتلاشى الكلمات الجاهزة، وتبدأ التجربة الحقيقية للروح.
المؤمن الحق ليس من يكره باسم الله، بل من يحبّ رغم اختلاف صورة الله في وجدان الآخرين. فالمسيحي، واليهودي، والمسلم، والبوذي، واللا ديني... كلّهم، في لحظة تأمل صادق، يُحدّقون في السماء نفسها، ويتساءلون السؤال نفسه: لماذا نحن هنا؟ وما الذي يجعل لحياتنا معنى؟ هذا القاسم المشترك الإنساني، هو ما يجب أن نحتفي به، لا أن ندفنه تحت رماد الصراعات العقائدية.
- نحو أفق كوني جديد
ربما تكون الخطوة الأولى نحو لقاءٍ كونيّ جديد، هو أن نعترف بأنّ كلّنا ضحايا الأساطير التي صنعناها عن أنفسنا. وأن الأديان، مهما بلغت من قداسة، ليست سوى محاولات بشرية لفهم ما هو فوق الفهم. وأن الحقيقة – إن وُجدت – لا يمكن امتلاكها، بل التقرّب منها بتواضع، وباحترام الآخر الذي يقترب منها بطريقة مختلفة.
علينا أن ننتقل من دين "الانتماء القاتل" إلى إيمان "المعنى المشترك". من وهم النجاة الحصرية إلى أفق التراحم الشامل. فالأرض، كما قال الشاعر، "أوسع من أن نضيّقها بحروب الهويات". والله، كما تقول القلوب الصافية، "أرحب من أن يُحتكر باسمه القتل والكراهية".
كلمة أخيرة: من الهويات إلى الوجود
نحن لا نحتاج إلى ديانات أكثر، بل إلى إنسانية أعمق. لا إلى معابد جديدة، بل إلى قلوب أنقى. لا إلى فتاوى إضافية، بل إلى أن نُصغي لصوت الضمير. إن الإنسان الذي يبحث عن الله في وجه الآخر، هو وحده القادر على بناء عالم جديد؛ عالم لا يُقسم الناس إلى فرقٍ ناجية وهالكة، بل يُعيدنا جميعاً إلى جوهرنا الأول: كائنات تبحث عن نور، عن دفء، عن معنى.
وعند هذه العتبة من التأمل، فقط عندها، يلتقي الإنسان بالإنسان، ويلتقي الكلّ بالله.