ما بعد الألم يصرخ الأمل
بقلم: د. عدنان بوزان
كانت السماء مكسوةً بالغيوم الرمادية، والأمطار تنهمر بغزارةٍ مثل دموعٍ هاربة من عيون حزينة. كانت الطبيعة ترتجف خوفاً من الجرح الذي يُعصف بها من كل الاتجاه، و سمعت الرياح تصرخ بصوت عالٍ وكأنها تحاول أن تهرب من ألمٍ لا يُطاق. هكذا كان المشهد البائس يلف الأرض بأسىً ويأسٍ لا يعد ولا يحصى.
في هذا اليوم الكئيب، وجدتُ نفسي وحيداً وسط الظلمة، ضائعاً بين أروقةٍ من الأفكار المتناقضة، أتساءل عما إذا كان هناك متسعٌ للأمل في قلبٍ تأبى ألوانه أن تعود مجدداً. كانت الدروب التي سلكتها معبدة بالآلام والصراخ، لا يبدو للحظة أن الحياة قد تمنحني أي رحمة.
تذكرتُ كل تلك اللحظات التي غرقت فيها في أعماق الألم، تلك الألم التي تجلى في أعين الأحبة حين يفقدونك ويتركونك وحدك تحت وطأة الظلام. تلك الأوقات التي ظننتُ فيها أنني قد استنفدت كل جرعات الألم الممكنة، لكنني وجدتُ نفسي في مواجهة ألم جديد لا يشبه أي شيء مر علي من قبل.
كنتُ أسمع أصواتاً تداعبُ أذني، أصوات أحبتي الذين رحلوا وتركوا وراءهم جراحات تنزف بلا نهاية. كنتُ أراهم في كل مكان، أنظرُ إلى وجوههم الحزينة تناجيني، كأنهم يعودون من بعيد ليُذكِّروني بألم فراقهم الذي لم يبرح قلبي منذ اللحظة الأولى التي اختطفوا فيها أرواحهم من واقعي القاسي.
ظللتُ أحاول أن أنسى، أن أعيش حياةً طبيعية بعيداً عن هذه الجراحات التي تعلقت بروحي مثل الأشواك الجافة. ولكن الألم الذي يتسلل إلى قلب الإنسان يكون كالسرطان، ينمو وينتشر بدون رحمة، ويترك خلفه أثراً يحاول المرء التخلص منه دون جدوى.
عانقت اليأس بقوة، وتذكرت مقولةً قرأتُها يوماً في أحد الكتب "ما بعد الألم يصرخ الأمل ". أدركتُ أنه لا مفرَّ من المواجهة، لا مفرَّ من التأقلم مع الحزن، وأن الألم سيظل يلوح في الأفق دائماً، ينتظر الفرصة المناسبة ليعود ويجتاحني بلا رحمة. لكن في تلك اللحظة أدركت أيضاً أن الألم هو جزءٌ من الحياة، وأنه بفضله نستطيع التعلم والنمو وأن نكون أكثر إنسانية.
أغلقت عينيَّ وتنهدت بعمق، ثم فتحتهما من جديد لأواجه ما بعد الألم، وأعلم أن الأمل ما زال حياً بالفعل، يتوهج في عمق النفس كنجمةٍ متلألئة تنتظر لحظتها المناسبة لتظهر في سماء الظلام وتنير دروب الحياة.