حنين خريفي: أمل يتغلغل في وجدان الغربة
بقلم: د. عدنان بوزان
في هذا الصباح الخريفي البديع، وقتما تتساقط أوراق الشجر برقة على الأرض، يُغمرني الحنين إلى وطني كالموج الذي يلامس شاطئ البحر برفق وثقة. يندلق الاشتياق في أعماق قلبي كالنجمة اللامعة في سماء الليل الصافية، تنبثق بريقاً متلألئاً في كل خلية من جسدي.
أتذكر في هذا الصباح الهادئ شواطئ وطني الذي غنت عنه الطيور في كل فجر، وارتعشت فيه أشجار الزيتون عندما تحضنها أشعة الشمس الدافئة. أتذكر زقاقاً ضيقاً حيث تلتقي فيه أحلام الأطفال بأماني الشيوخ، وأصوات الضحك والبهجة تعزف سيمفونية الحياة الجميلة.
وها أنا اليوم في الغربة، يحيط بي الصمت المؤلم والغربة الباردة كالشتاء الذي فاحت رائحته النديّة. أشعر بأن كل شيء هنا يشدني للوراء، يجذبني بقوة إلى أصولي وتراثي، وكأن الأرض التي أمشي عليها الآن تحمل خطى أجدادي وأحلامهم.
في هذا الصباح الخريفي الذي يشدني الحنين إلى وطني، أجد نفسي محاطاً بروائح الأرض الخصبة وأصداء أصوات الطبيعة التي تتسلل إلى قلبي وتجعلني أشعر بالانتماء العميق. يراودني الشعور بالفقد والاشتياق، ولكن في كل نظرة يلقيها قلبي نحو السماء، أجد بصيصاً من الأمل ينير دربي في هذه الغربة.
أنظر إلى سحر الخريف حولي، حيث يلتقي الأصفر بالأحمر والبني في لوحة فنية خلابة، تذكير حي لجمال الدورة الحياتية. تتساقط أوراق الأشجار برفق، كما لو أنها تروي قصة الانتقال والتحول، تذكير لي بأن الحياة تستمر في الرغم من المحن والابتلاءات.
في هذا الصباح، يصافح الحنين قلبي بلطف، يربطني بوطني وبأحبائي الذين تباعدت المسافات بيننا. أتذكر وجوههم وضحكاتهم وأحاديثهم، وتتجدد الرغبة في رؤيتهم ومشاركة لحظات جميلة كانوا جزءاً منها.
وفي هذا الصباح، أتعلم فن الانتظار بصبر، وأدرك أن الاشتياق ليس ضعفاً، بل هو قوة تجعلني أكثر إيماناً بأن اللقاء لا محالة سيحدث. يمر الزمن كالنهر الجاري، يأخذ معه الأحزان ويحمل معه وعود اللقاءات والعناق الدافئ.
وهكذا، في هذا الصباح الخريفي الذي يجمع بين جمال الطبيعة وعمق الاشتياق، أنا هنا محملاً بأمل لا ينتهي، وثقة أن الحياة ستأتي بأيام جميلة وسعيدة، وأن الحنين سيجد طريقه إلى قلبي في كل لحظة، مذكراً لي بأن الوطن ليس مكاناً فقط، بل هو حب وروح وذكرى تعيش في أعماق الإنسان.