دروس من الحياة
بقلم : د. عدنان بوزان
في زمن الخريف، حينما تتساقط أوراق الشجر وترقص على نسيم الرياح الباردة، تأتي لنا الحياة بدروس عميقة تحمل في طياتها حكمة لا يمكننا تجاهلها. كنتُ دائماً أعتقد أن الصداقة والوفاء هما قيمتان تبنيان العلاقات وتجعلانهما قائمة على الحب والثقة، ولكن الزمن كشف لي حقيقة مؤلمة.
كنت يوماً ما شجرة خضراء، تنمو وتتفتح في ربيع العلاقات الاجتماعية، وكنت دائماً مستعداً لإلقاء ظلي الوفير على من حولي. كنت أستقبل الأشعة الدافئة للصداقة والمحبة، وكنت أقدم حبي واهتمامي بكل سخاء. لكن حينما أتى الخريف، عندما كنت بأمس الحاجة لدعم ووجود أصدقائي، واجهت مفاجأة مؤلمة.
فقد جاءوا إليَّ كأوراق جافة، تمزقها الرياح الباردة وتلقيها أرضاً بلا رحمة. كانوا يرموني في زمن الضعف، حينما كنت أحتاجهم أكثر من أي وقت آخر. فتساءلت: هل هم حقاً أصدقاء؟ هل هم فعلاً يستحقون الوفاء الذي قدمته لهم؟
تذكرت حينها قولاً قديماً: "من يرمي بي حينما كنت بحاجته، سأرميه من حياتي كورقة شجرة في فصل الخريف." وهذا ما قررت القيام به. لن يكونوا جزءاً من حياتي بعد الآن، لأنهم لم يظلوا معي في أوقات العثرات والصعوبات.
إن الحياة علمتني أن الوفاء والصداقة حجارة الزاوية في بناء علاقاتنا. من يختار أن يرمي بي في أوقات الضيق ليس لديه مكان في عالمي. فلنحافظ دائماً على الأشخاص الذين يقفون بجانبنا في أوقات الصعاب، ولنكن معهم كالشجرة التي تحمل أوراقها حتى في أشد برودة الخريف.
فالحياة علمتني أيضاً أن هناك قوة في التحول والنمو. عندما نختبر الصدمات والخيبات، نكتشف قوتنا الحقيقية وقدرتنا على البقاء قائمين رغم الظروف الصعبة. إن أوراق الشجر تتساقط في الخريف لكن الشجرة لا تموت، بل تستعد لفصل جديد من النمو والازدهار.
في نهاية المطاف، تدرك أنه من الأفضل أن تكون شجرة قوية تتجدد في كل فصل، بدلاً من أن تعتمد على أوراق تتساقط في الأوقات الصعبة. تعلمت أن تقدير الأشخاص الذين يستحقون الوفاء والمحبة هو الأهم، وأن ترمي بمن لا يستحق من حياتك هو خيار صحي للنمو والسعادة الدائمة.
فلنحتفظ دائماً بحكمتنا كالشجرة في فصل الخريف، ولنستمر في النمو والتطور حتى في وجه الرياح العاتية، فالحياة دائماً مليئة بالدروس والفرص لنصبح أقوى وأكثر حكمة.