رحلة الكلمات بين الهوية الضائعة والتضاريس على ضفاف الوداع
بقلم: د. عدنان بوزان
في تلك اللحظة الرهيبة حينما قررت أن أكتب تاريخاً ضائعاً، غرقت في بحر الكلمات، انتشلت من جيوب الأمس واليوم أحداثاً قديمة وأخرى حديثة، وكأنني كنت رحالاً في عوالم الزمن والمكان.
كانت رحلتي بحثاً عن الهوية الضائعة، كتبت على تعرجات التاريخ والجغرافيا، واخترقت خارطة الأمم والتضاريس وفتشت بين السهول والوديان والهضاب والكهوف، حفرت في قلب الجبال لأستخرج من تضاريسها أسراراً لطالما كانت مدفونة. انغمست في أعماق الأرض بحثاً عن الرقم والمومياء، وكأنني أحد المستكشفين الذين يعبرون الصحاري ليلاً بحثاً عن آثار الحضارات القديمة.
كي أستعيد هويتي الضائعة، عادت الأفكار إلى الواقع، حيث انكبت دموع الوداع على أحبائي. أخي اختفى في غابة الأحلام، حبيبتي تدمرية العينين رسمت ابتسامة جيوكندا على ضفاف الوداع، وأولادي تنقلوا بين أعماق البحار يبحثون عن وطن ضائع على أرصفة المدن العتيقة.
أما أصدقائي، فكانوا في ساحة المعركة يناقشون مع العزازيل في رحلة روحية بين صفحات التوراة والإنجيل والقرآن. ويكفرون اليزدانية الرافدين بين تضاريس الديانات، وكأنهم يبحثون عن إشارات للحقيقة الكامنة.
في لحظة سحرية من الدهشة، وجدت نفسي مغموراً في عالمٍ آخر، حيث تلاطمت موجات الزمن مع أوتار الفضاء. بدأت رحلتي في تأريخ أمم ضائعة، حيث الكلمات تتناغم كألحان موسيقية تروي قصة الأزمنة المنسية.
كانت صفحات الزمن تفتح أمامي كوابيس السهول وتحلق بين أضلع الوديان، وكأنها فراشات تتراقص في أفق الأمس واليوم. نسجت خيوط الكلمات بين قمم الجبال، حيث تلألأ الشموخ وتراقصت الثلوج كراقصة ترفرف بين الألفة والغموض.
وفي تلك اللحظة الفارقة، اكتشفت هويةً ضائعة ككنزٍ مفقود، كان ذلك اللغز الذي يرفض حلاً سهلاً ويطلب فهماً عميقاً. وكما يرسم الفنان خيوط لوحته بألوان الشفق والغسق، انبعثت الهوية الفقدانية كلوحة فنية تتراقص بين زمان وآخر.
وحين حملت الخبر إلى شعبي، اكتشفت أنهم قد غادروا منذ زمن بعيد، كالطيور المهاجرة رحلة بين الشمال البارد والجنوب الدافئ، وتائه في أرجاء غابات الأحلام واختفوا في أعماق البحار والمحيطات. وأما حبيبتي، فغادرت وراءها ابتسامة جيوكندا تتلألأ على شاطئ الفراق، كأميرة قديمة في طيات قماش الأحلام تواجه بزوغ الفجر. وأنا، محاطٌ بخيوط الزمان والحكايات، أكتب عن تاريخ شعب ضائع، حيث يلتقي الشعر بالواقع وتتناغم الحروف كألحان السماء، ترسم لوحة فنية تحكي قصة عشق أبدية بين الإنسان والتراب ولحظاته الضائعة في متاهات الزمان.