صَرْخَةُ القَلَمِ
بقلم: د.عدنان بوزان
هجرتني رياح العشق في قسوة الزمن، شكوتُ آهاتي وألمي للقلم، فدمع القلم ومات صبري على صدر الصفحة والقدر. بدأت أرسم ملامح أشلاء عشقي، فغاب الأمل ومات الهجر. حاولت ثانية أن أكتب اسمك على زبد البحر، فبكت السماء وهطل المطر.
في هواء الليل الذي تلفه ألسنة الظلام، انبثقت أشجاني كنغمة هادئة تمزج بين لحن الفراق ومرارة الغياب. هجرتني رياح العشق، تلك الرياح الجارفة التي تحمل في جناحيها شذا الأمل ورائحة اللحظات الجميلة. غرقت أفكاري في بحر الأحاسيس، حيث تلاطمت الأمواج بإيقاع الشوق والوجدان.
شكوتُ آهاتي إلى القلم الذي أصبح مرافقاً لأوجاعي وشاهداً على خفايا قلبي المتألم. كانت كلماتي تنبعث كالنسمات الحزينة، تتغلغل في أعماق الصفحة كما يتغلغل الشوق في الروح. وفي تلك اللحظات، دمع القلم، تلك القطرات اللامعة التي تروي أحزان الورقة، ومات صبري على صدر الصفحة، حيث انكسرت حواجز الكلمات وانسكبت أحاسيسي كفيضان هائل.
بادر قلمي إلى رسم أشلاء عشقي على ورقة الوجدان، كأنه يقتات من أنقاض ذكريات لحظات السعادة والحب. اختلطت ألوان الألم والفقد في لوحة الحياة، وفجأة غاب الأمل ومات الهجر، تاركاً وراءه طيفاً من الألم يراودني في لحظات الوحدة.
وفي محاولة ثانية لأكتب اسمك على زبد البحر، انغمست أحرفي في لوحة من الشوق والاشتياق. فأنعشت السماء بدموع الغيم، وهطل المطر كأنه لحن حزين يروي قصة حب فاقت حدود الزمان والمكان. كانت تلك القطرات تروي قصيدة حزينة على صفحة الطبيعة، وكأنها ترفع نداء الألم في لغة العشق والفراق.
في غمرة هذه العواطف المتدفقة، يعلو صوت الرياح وكأنه يحمل بين نسماته لغة الحنين والتذكر. يشدو صوت الهمس بين ثنايا الليل، كلما تذكرتك يُسلب مني الزمان حتى تظل اللحظات كأنها لحظة واحدة متمددة في أفق الأشجان.
رُسمت على أوراق الحنين، أجمل اللحظات التي عشناها، ولكن الزمن القاسي أسال على أرض تلك اللوحة الجميلة، فأصبحت ذكرياتنا أشلاء مبعثرة في أرجاء الزمن. الحبر الأسود ينساب كالدموع الحزينة على ورق الذكريات، وتختزن الصفحات بين ثناياها أسرار العشق وألم الفراق.
في محاولة ثالثة لإلقاء اسمك على أمواج البحر، يرسم الأفق لوحة ساحرة بألوان الغروب والغيم. تتلاطم الأمواج تحت أشعة الشمس الخجولة، ويبدأ المحيط في رقصته الساحرة. يتراقص الماء بألحان الحياة، يتلاقى مع زبد البحر وكأنه يحمل بين أمواجه قصيدة حب خالدة.
وتبقى كلماتي معلقة في فضاء الحب والفراق، رحلة فنية تعبر عن وجدان الروح وجمال الألم. يحمل القلم عبء الحنين، والورق يشهد على مسيرة عشق لا تنتهي. في كل زاوية من الزمن، يتأرجح قلمي بين أنغام السعادة وألحان الأسى، محملاً معه قصة عشق لا تُنسى.
هكذا، يبقى قلمي رفيقاً لروحي المنكسرة، ينثر كلمات الأسى والشوق في رحلة الهجر، ويترك أثراً عميقاً في ذاكرة الزمن الذي شهد هذه الأحداث الجارفة.