ظلال الروح: دروس الحياة من سرقات غير مرئية
بقلم: د.عدنان بوزان
في خضم هذا العالم المتلاطم، حيث تدور رحى الحياة بين أفراحها وأتراحها، تختبئ ظاهرة عميقة ومعقدة، تتجاوز حدود السرقة المادية، لتلامس أعمق زوايا الروح والوجدان. إنها سرقة لا تترك أثراً على الجدران أو في الخزائن، بل تترك بصماتها على القلوب والأرواح، أثراً غير مرئي يعيد رسم ملامح الوجود.
أحياناً، يأتي اللص في هيئة حبيب، فيسرق القلب بنظرة أو بكلمة، يأخذه بعيداً عن واقعه، يطوف به في عوالم الحلم والخيال، ثم يتركه محطماً على أرض الواقع، مثقلاً بذكريات لا تُنسى وألم لا يُمحى. يتسلل هذا اللص بهدوء، ينال ثقتنا ويمتلك أعمق مشاعرنا، ثم يختفي مخلفاً فراغاً عميقاً، صعب الإملاء.
وأحياناً أخرى، يأتي اللص في صورة ظرف أو موقف، فيسرق منا ضحكتنا، تلك الفورة الصافية من الفرح، يغتال البهجة في عيوننا ويحول أيامنا إلى رتابة وملل. يُفقدنا القدرة على الضحك من القلب، ويتركنا في حالة من الحنين المؤلم إلى أيام كانت السعادة فيها ضيفاً دائماً على وجوهنا.
لكن أكثر اللصوص مكراً هو ذلك الذي يسرق عمرنا. يتسلل هذا اللص في صورة روتين يومي ممل، أو علاقات فارغة من المعنى، أو أحلام مؤجلة باستمرار. ينهب منا الأيام والسنوات دون أن نشعر، حتى نجد أنفسنا أمام المرآة نتأمل وجوهاً قد غزتها تجاعيد الزمن، ندرك حينها أن العمر قد مر كالحلم، ولم نعشه كما كنا نأمل.
هذه الأنواع من السرقة تترك في النفس جروحاً لا تندمل بسهولة، تعلمنا دروساً قاسية عن قيمة الوقت، وأهمية العلاقات الإنسانية، وضرورة العيش بكل لحظة بكامل حضورها ومعناها. تذكرنا هذه السرقات بأن الحياة أثمن بكثير من أن نضيعها فيما لا يستحق، وأن السعادة والحب هي كنوز لا تُقدر بثمن، يجب أن نحرص عليها ونغذيها بكل ما أوتينا من قوة وعزيمة.
في النهاية، تعلمنا هذه السرقات الروحية الكثير عن أنفسنا وعن الحياة. ندرك أن كل لحظة ضائعة هي كنز مسروق من بنك أيامنا، وأن كل قلب مكسور هو فرصة للنمو والتطور، وأن كل ضحكة مسلوبة هي دعوة لاستعادة الفرح والبهجة في حياتنا. هذه السرقات تجبرنا على التوقف والتأمل، على إعادة تقييم أولوياتنا وما نعتبره ثميناً في وجودنا.
من خلال هذه التجارب، نتعلم قيمة اللحظة الحاضرة، وأهمية العيش بكامل وعينا وإدراكنا. نتعلم أن الحب يجب أن يُعطى بحذر ولكن بكامل الشغف، وأن الضحك يجب أن يكون رفيقنا الدائم، حتى في أصعب الأوقات. وأكثر من كل ذلك، نتعلم أن العمر ليس مجرد سلسلة من السنوات، بل هو تراكم للحظات نعيشها بكل ما فيها من حب وشغف ومعنى.
وهكذا، في كل سرقة تتعرض لها أرواحنا، نجد فرصة للنهوض أقوى مما كنا، وللتعلم كيف نحمي ما هو ثمين في حياتنا بشكل أفضل. ففي نهاية المطاف، الحياة هي مدرسة الروح، حيث كل خسارة هي درس، وكل جرح هو بداية لنمو جديد، وكل تجربة هي جزء من هذه الرحلة العجيبة التي نسميها الوجود.