بزوغ الأمل من رحم الأحزان
بقلم: د. عدنان بوزان
في ثنايا اللحظات الهاربة، حيث تتلاشى الأماني كأوراق الخريف المتساقطة، أجد نفسي غريقاً في بحار الألم اللامتناهية، تائهاً بين أمواجها العاتية التي لا ترحم. يا زمن، لقد ألقيت بي عنوة في هذا المهب العاصف، حيث العتمة تلف دروبي كثوب قديم مهترئ، فقدت فيه طريقي وضللت مساري. لقد غدت ذكرياتي رفيقة الألم، تتبعني كظلي، لا تفارقني لحظة ولا تغادر خاطري آنة.
في ممرات الغربة الموحشة، أُغلقت جميع الأبواب دوني، تاركةً إياي أواجه قسوة العالم وحيداً، بلا معين ولا مؤنس. يا أمل عمري، الذي افترقت عنه أحلامي، أجد نفسي اليوم مكسور الخاطر، قد أنهكتني الأيام واستنزفت قواي، كأن كل لحظة تقطع مني جزءاً، تاركةً إياي أجمع بقاياي في صمت.
قلبي، ذاك المعترك المجروح، ينزف آهات متوالية، مهزوماً تحت وطأة الأحزان، مقسوماً بين رغبة في النسيان وأمل باهت في البقاء. يا زمن، أجد نفسي هارباً من قسوتك، محاولاً التنصل من ثقلك الذي يكبل خطاي.
كم هو قاسٍ هذا الشعور بالوحدة والاغتراب، حيث تتحول اللحظات إلى زمن ممتد من الأسى، وتغدو الأماكن كلها غريبة، بلا ملامح ولا هوية. في هذا السرد الحزين، أسعى إلى التعبير عن آلام نفس مكلومة، تجوب بحر الحياة باحثة عن شاطئ الأمان، علّها تجد في نهاية المطاف بصيصاً من نور يخترق ظلمات وحدتها، ليعيد إليها بعض ما فُقد من أمل وسلام.
لكن في أعماق هذا اليأس المترامي، وفي الزوايا المظلمة من قلبي المنكسر، لا زلت أبحث عن شعاع من الضوء، عن قطرة من الندى قد تروي ظمأ روحي المتعبة. مع كل فجر يبزغ، أحمل في داخلي رجاءً خافتاً، بأن الألم الذي يعتصرني اليوم سيتحول غداً إلى ذكرى بعيدة، كأنه حلم مؤلم انقضى بانقضاء الليل.
رغم الجروح التي تزخرف قلبي، والآلام التي تكبل خطواتي، لا تزال في داخلي نار تتقد، ترفض الاستسلام لقدرها المحتوم. إنها رغبة عارمة في الحياة، في تذوق طعم الفرح مرة أخرى، في الإمساك بخيوط الأمل الدقيقة التي تتسلل من بين تصدعات اليأس.
يا زمن، لقد علمتني قسوتك أن أقدر لحظات السعادة، وأن أجد الجمال في أبسط الأشياء، في نسمة هواء باردة تلامس وجهي في يوم صيف حار، في ابتسامة طفل بريئة، في زهرة تتفتح رغم الصخر. لقد علمتني كيف أقاوم، كيف أجد قوتي في أعمق أدراج ضعفي، وكيف أشق طريقي وسط الظلام بنور ينبع من داخلي.
في هذا السفر الطويل الذي ندعوه الحياة، أتعلم كل يوم أن الألم لا يدوم، وأن الفرح، مهما طال انتظاره، سيأتي بعد العسر يسراً. وفي قلبي، رغم كل شيء، تظل زهرة الأمل متفتحة، تنتظر الربيع لتزهر من جديد، تذكرني دوماً بأن بعد الليل بزوغ الفجر، وأن مع كل نهاية تبدأ بداية جديدة.
هكذا، بين الألم والأمل، أسير في دروب الحياة، متحدياً الزمن بكل ما أوتيت من قوة، مؤمناً بأن لكل جرح شفاء، ولكل دمعة ابتسامة تنتظر البروز على شفاه الأيام. وفي هذه الرحلة، لا أسعى إلى نسيان ما مضى، بل إلى التعلم منه، لبناء غدٍ أكثر إشراقاً، حيث الحب والأمل لا يغيبان.