أنين الأفكار تحت وطأة الزمن الغادر
بقلم: د. عدنان بوزان
في زوايا القلوب المنسية، حيث تتمزق أوراق الأيام وتتناثر عبثاً تحت أقدام الزمن الغادر، يعيش محمد شيخو وآخرون، ينزفون ألماً وحكاية. أرواح تائهة في متاهة الحياة، مثقلة بأوزار العقول الحاقدة والجاهلة التي تحيط بهم كظلال تلاحقهم في كل خطوة. همساتهم المكتومة وأفكارهم المغلفة برقة وعمق تتلاشى في صخب العالم المتواصل كقطرات ماء في صحراء قاحلة، تبحث عن ملاذ لتستقر، فلا تجد سوى الرمال الحارقة التي تبتلعها بلا رحمة.
يمشون بيننا، محملين برؤى وأحلام قد تغير مسارات حياتنا نحو الأفضل، لكننا، في غفلة منا أو في تجاهل متعمد، نخمد نيران إبداعاتهم قبل أن تتأجج. نعم، نحن الكورد، الأبطال في ساحات القتال وميادين الشرف، لكننا في ذات الوقت، نقف حائرين أمام معركة الفكر والثقافة، معركة لا تقل أهمية عن غيرها، معركة تحتاج إلى أسلحة من نوع آخر: أسلحة العقل والمعرفة والفهم.
أين نحن من تلك العقول اللامعة التي يمكنها أن تضيء طريقنا نحو المستقبل؟ ألسنا نحن من نضع العثرات في طريقهم ونسلب منهم الفرصة ليكونوا مشاعل تهدينا في ظلمات أيامنا؟ كم من محمد شيخو آخر يعاني في صمت، يحترق بنار الظلم والجهل والغدر الذي يكتنف هذا الزمان؟
تائهون هم بيننا، يصارعون كل يوم مرارة الحياة، ومع ذلك، يحملون في قلوبهم حباً للعلم والثقافة والفكر. يحلمون بعالم يتسع للجميع، عالم لا يخمد فيه نور المعرفة ولا تطفأ فيه شعلة الإبداع. لكن الواقع المؤلم يظل يراودهم، يذكرهم بأن طريقهم محفوف بالمتاعب والعقبات، وأن صوتهم قد يغرق في صخب الحياة اليومية وضجيج العقول الضيقة.
آه، ما أقسى غدر الزمن، وما أمرّ العيش بين عقول ترى في النور ظلاماً وفي الحكمة جهالة. يجد هؤلاء المفكرون أنفسهم في معركة مستمرة، ليس فقط للحفاظ على شعلة المعرفة متقدة في داخلهم، بل ولإيصال هذا الضوء إلى الآخرين في محاولة لتبديد ظلام الجهل الذي يحيط بهم. محمد شيخو اليوم، بتلك العقول النيرة والقلوب الحالمة، يجدون أنفسهم غرباء حتى في أوطانهم، محاربين بسبب أفكارهم، معزولين لأنهم يحملون في أذهانهم أحلاماً تتجاوز حدود الواقع المرير.
ولكن، برغم العواصف والأعاصير، يظل هناك خيط رفيع من الأمل يتمسك به هؤلاء العظماء، يرون فيه فجراً جديداً يلوح في الأفق، فجراً يُعانق فيه العلم والفكر أرواح الناس، ينير لهم دروب الحياة. يؤمنون بأنه، مهما كانت الصعاب، فإن الحقيقة ستشق طريقها في النهاية، وأن النور سيتغلب على الظلام، مهما طال الزمن.
من هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى تبني ودعم هذه العقول المستنيرة، لإعطائهم المساحة والحرية ليعبروا عن أفكارهم ورؤاهم، لأن في كل فكرة يمكن أن تكون شرارة التغيير نحو مستقبل أفضل. يجب أن نتحدى الجهل والتعصب والحقد، لنفتح أبوابنا وقلوبنا للمعرفة والحكمة.
ربما، في يوم ما، ستزهر الأرض التي سقيت بدموع محمد شيخو وآخرين مثله، تزهر بأفكار جديدة ورؤى تحمل في طياتها أحلام جيل كامل. إلى ذلك الحين، يبقى الأمل معلقاً بأرواحهم الشجاعة، تلك الأرواح التي ترفض أن تخبو أمام غدر الزمن وضيق العقول. لأنه، في النهاية، الأفكار لا تموت، والحقيقة، مهما طال بها الزمن، ستجد طريقها إلى النور.