همسات تحت شجرة الأحلام: رقصة القلوب على نغمات العمر
بقلم: د. عدنان بوزان
تحت ظلال شجرة عتيقة، حيث الأوراق الذابلة تنسج سجاداً بنياً على الأرض، هناك حيث تحكي كل ورقة قصةً عن الفصول التي مرت، عن الأحلام التي تساقطت معها كما تتساقط الأوراق في خريف العمر، تعالَ لأشعل لك عود ثقاب. سندفئ بها أصابعنا التي باتت ترتجف، ليس فقط من البرد القارس الذي يعانق جلدنا، بل أيضاً من لهفة اللقاء، من حميمية اللحظة التي تُقيم جسوراً من الدفء في ممرات قلوبنا المتجمدة.
لنجلس على أحذيتنا، في تلك البقعة التي اختارتها الأقدار لتكون شاهدةً على لقاءاتنا. ذلك الاحتياط البسيط، لكي لا تتسخ ملابسنا، يذكرني ببراءة الأيام الأولى من عمر الزمان، حين كانت السعادة تكمن في التفاصيل الصغيرة. كما لو أن كل مرة أجلس فيها معك، تعيد رسم خريطة العالم لتضع قلبينا في مركزها.
لنتبادل الحديث، لكن ليس بالكلمات وحدها، فعيناك تحملان ألف حديث وحديث. عيناي، المتعطشتان دوماً لرؤيتك، ستنظران إليك بكل ما أُوتيتُ من حب، تلك النظرات التي تحمل بين طياتها وعوداً صامتة بأيام أفضل، بلحظات تتخطى حدود الزمن. وعيناك، اللتان تغمرهما الحنان، تكشفان عن عالمك الداخلي الغني، عن قلبك الذي يحتضن الدفء كما تحتضن الأرض بذورها في انتظار الربيع.
هذا المكان، أسفل شجرة الذكريات، يصبح بمثابة ملجأنا السري، حيث يمكن للروح أن تتنفس، وللقلب أن يرقص على أنغام الحياة التي تعزفها الطبيعة من حولنا. هنا، حيث يختلط دفء النار المتوهجة من عود الثقاب ببرودة الهواء، نعيش تناقضات الوجود، ونتعلم أن الحب، كالنار، يمكنه أن يدفئ حتى في أقسى الظروف.
في هذه اللحظات، حين يتحول الوقت إلى مجرد مفهوم غير ملموس، ندرك أننا نجد في بعضنا البعض مأوى من العالم الخارجي، حصناً يحمينا من عواصف الحياة. حصناً يحتضن أرواحنا المتعبة، يهدهدها برقة على إيقاع قصصنا المتشابكة، تلك القصص التي نسجت من خيوط الأيام التي قضيناها، والأحلام التي غرسناها في تربة الأمل، متحدين عنفوان الوقت وقسوة الظروف.
بين الضوء والظل، تحت هذه الشجرة، تكون الأوراق الذابلة شهوداً على حرارة المشاعر التي تفيض منا، كل ورقة تروي حكاية عشق لم تُخط بالأقلام بل بنظراتٍ تُلقى وبأنفاس تختلط. الدفء الذي ينبعث من ذلك العود الثقاب الصغير يتحدى برودة الجو المحيط، وكأنه يخبرنا بأن الحب يمتلك القدرة على إشعال النيران في أعمق أعماق الروح، لينير الدروب ويدفئ القلوب.
وهناك، معك، تحت هذه الشجرة، أتعلم معنى أن تكون البساطة مصدراً للسعادة العارمة. ليست هناك حاجة لكلمات بليغة أو وعود ضخمة؛ إذ يكفينا الصمت المليء بالمعاني، والنظرات التي تحمل في طياتها ألف عهد وعهد. هذه اللحظات البسيطة، التي نجلس فيها على أحذيتنا، خائفين من تلويث ملابسنا بتراب الأرض، تصبح في ذاكرتنا أكثر اللحظات قيمة وجمالاً.
يصبح الوقت، في حضورك، مجرد كلمة خالية من المعنى. الثواني تتحول إلى أبدية، والدقائق إلى زمن غير محسوب، حيث يتوقف كل شيء سوى قلوبنا التي تنبض معاً، ترقص على وقع نفس الإيقاع. وكل نبضة تخبرنا بأن العمر لا يُقاس بعدد السنين، بل بعمق اللحظات التي نعيشها.
وعندما ينطفئ عود الثقاب، ويحل الظلام من جديد، تبقى نيران الحب التي أشعلناها معاً تتوهج في الأعماق، تدفئنا وتضيء طريقنا. وأدرك حينها، أن كل لحظة قضيتها معك، كانت تحمل بداخلها كنوزاً لا تُقدر بثمن، كنوزاً من المشاعر والذكريات والأمل، تلك التي تجعل الحياة رحلةً تستحق العيش من أجلها.
وتحت هذه الشجرة المعمرة، التي تشهد على تقلبات الفصول وثبات العواطف، نكتشف معاً أن الحب يمنحنا القوة لنتجاوز حدود الزمان والمكان. يصير الحب لغةً خالدة، لا تعرف الزوال، تتردد أصداؤها في أرواحنا، تمنحنا الأمان في عالم يفتقد إليه.
كل لحظة قضيتها بجانبك تعلمني أن السحر الحقيقي يكمن في البساطة، في القدرة على إيجاد السعادة في أصغر التفاصيل، في نسمة هواء باردة، في حرارة نار صغيرة، في صوت أوراق الشجرة وهي تهمس بقصص العابرين. إنها تعلمني أن أعيش اللحظة بكل ما فيها من قوة وعمق، وأن أقدّر الوقت الذي نتشاركه معاً كاثمن ما يمكن أن نملك.
في النهاية، يصبح كل شيء تحت هذه الشجرة معنىً ورمزاً؛ الأوراق الذابلة ترمز إلى تجدد الحياة واستمراريتها، النار الصغيرة من عود الثقاب تشبه نور الأمل الذي لا ينطفئ في قلوبنا، وجلوسنا على أحذيتنا يذكرنا بأن الحياة تحتاج إلى أن نحمي جوهرنا، بينما نستمتع بكل لحظة تجلبها لنا.
وفي هذا العالم المليء بالتحديات والصعوبات، يبقى وجودك بجانبي يعطيني الأمل والقوة. الأمل في أنه مهما بلغت قسوة الشتاء، فإن الربيع سيعود دائماً يحمل معه الدفء والتجديد. والقوة لأواجه ما قد يأتي في الطريق، مع العلم بأنني لست وحيداً في هذه الرحلة.
تحت هذه الشجرة، حيث تمتزج الذكريات بالأحلام، وحيث يلتقي الماضي بالمستقبل، نبني معاً قصة حبنا الخالدة، قصة تثبت أن الحب في أبسط أشكاله هو أقوى ما في الوجود. ومع كل لحظة نقضيها معاً، نواصل كتابة فصول هذه القصة، محفوظة بين جذوع الأشجار وتحت سماء مليئة بالنجوم، قصة تروى عن قوة الحب وجمال الحياة.