نغمات الأمل: سيمفونية الروح في مواجهة الظلام
بقلم: د. عدنان بوزان
في لحظات الغروب، حيث يعانق الضوء الفاتر ظلال الأرض الممتدة، يستلقي الحزن على مدى روحي مثل غيمة مظلمة تتسع في سماء صافية. يتسرب هذا الوجع العميق من جوف الزمن، كالنبع الأسود الذي لا ينضب، ويتكاثف حوله الصمت الثقيل. وعلى هذا المسرح الرمادي، تتراقص العواصف بلا هوادة، تنحت في الروح صحراء قاحلة، لا يكسر صمتها إلا صدى الرياح الجافة.
لكن في عز هذه الوحشة، تظهرين أنت، شمساً مشرقة تتحدى الظلمات، تغمرين الكون بنورك الدافئ، تتبددين الغيوم وتحيلين الدموع إلى برك من نور. كغابة عتيقة، تزهو أشجارك بخضرتها، تحتضن السماء بأغصان ترفرف فوق الأرض البائسة، تبث الأمل في القلوب اليائسة.
أنت، كمدينة لا تعرف الهزيمة، جدرانك المنيعة شاهدة على الزمن وقهر الأسى. البيت المهجور في قلبي لم يعد يبكي جدرانه المتهالكة؛ فالحياة التي زرعتها بين الأنقاض جعلته يعيد بناء نفسه. الساعة التي توقفت عند أحزاني لم تعد تعرف التوقف، فنبض عقاربها مستمر بلا هوادة، يعد الثواني لأفراح قادمة.
الأزهار التي نبتت من موت اللحظات العصيبة، لا زالت تحلم، لا تلوي أعناقها أمام العاصفة، بل تغني مع الريح، تتمايل بحرية وصلابة. وعلى شفاهك، تتحلق البسمات، تزدحم في فمك مختارةً أن تكتب للصباح يوماً جديداً. العتمة التي كانت ترحل في أيامك، قد ترجلت الآن، وتحولت إلى نور يشع من كلماتك كآيات الفجر.
أنت توشمين على القصيدة عشقاً وطفولة، ترسمين على الأوراق ألوان الحياة، تهيمين في لوحتك، تتوهجين في حضن الفضاء، مزدانة بالألوان والحب، تسحرين العيون وتلهمين القلوب بجمال الوجود.
تلك الروح التي تعتقلها الأحزان تبدأ تتحرر شيئاً فشيئاً، مع كل شعاع ترسلينه إلى الأعماق المظلمة. الضياء الذي تبثينه ينقش على جدران اليأس رسوماً من الأمل، ينحت في الصخور ملاذاً للفرح القادم. مع كل ضحكة تصدح في الأفق، تتكسر قيود الصمت، وتزهر في القلوب ألف ربيع.
أمام هذه الإرادة الصلبة، ينكسر الوجع السحيق وتتلاشى عواصف الحزن. تلك الصحراء التي كانت تتمدد في الروح، تتحول إلى واحة غناء، حيث يسكن النسيم العليل ويعبق بعطر الياسمين واللافندر. كل زهرة تنبت، تحمل في بتلاتها قصة نجاة، قصة إصرار على البقاء والازدهار.
وفي هذا الانفراج، ترقص الكلمات في الهواء كالفراشات، تتنقل بين الأزهار والأوراق، تنشر الروائح العطرة في كل زاوية من زوايا القلب. الكلمات التي كانت ثقيلة وحادة، تصبح خفيفة وملونة، تحلق في سماء الصفحات، ترسم آفاقاً جديدة وتعانق الأحلام البعيدة.
مع كل همسة تنثرينها، ينمو الأمل ويتجدد. في كل لحظة صمت، يولد صدى يعلو ويملأ الفضاء بموسيقى تحاكي نغمات الحياة. ها أنت تتوهجين بنور لا يخبو، تحكين قصة كفاح، من رماد الماضي إلى أفق مشرق، تتجاوزين الألم بابتسامة، بلمسة، بكلمة تنطق بالحب والجمال.
هكذا، بروح تفيض حياة وبقلب يعج بالشغف، تنسجين الوجود على نول الزمن، تطرزين أيامك بخيوط من ضوء. تتشكل حكاياتك، صفحة صفحة، كسيمفونية تعزف ألحان الأمل. في كل نغمة، تعزفين لوناً من الحب، في كل كلمة، ترسمين طريقاً نحو فجر جديد، تتوهجين في حضن الفضاء، نجمة لا تغيب.