أيها الموت، أنينُ الحقيقة
بقلم: د. عدنان بوزان
أيها الموت، يا أنينَ الحقيقة الصامت، في خفوت الأوضاع، حينما يشطر السيف المبتل الأبعاد، ويجعل من الخيال خيوط غسيل تتدلى، متشابكة في ماضٍ مُحبِط. أتراك تتسلل في ثنايا أرواحنا كنسيم دافئ، أم أنك تعصف بها كعاصفةٍ تخطف الأمل من الأعين؟ في ظل الظلمات التي تغلف قلوبنا، أجد نفسي غارقاً في حوار معك، أسعى لفهم معنى وجودك، رغم أنك تمثل النهاية التي نخشاها جميعاً.
في لحظات الهدوء، عندما يتلاشى ضجيج الحياة، أراك تلقي بظلالك على كل فكرة تتشكل في عقلي. تساءلت: هل وجودك مجرد حالة من الفقد، أم أنك جزء من النسيج الكوني الذي يحركنا ويدفعنا نحو البحث عن المعنى؟ أدركت أن الحياة ليست سوى خيوط من الأمل، مترابطة برغباتنا وأحلامنا، بينما أنت، في يقينك الصارم، تمثل النهاية الحتمية التي تفصل بين الحب والفراق، وبين الحلم واليقظة.
أيها الموت..
لماذا تبدو كالعاشق الذي يأتي بعد فراق طويل، يسعى لتبديد الأوهام؟ هل تقصد أن تُظهر لنا القيمة الحقيقية للحياة عبر الألم والفقد؟ كأنك تقول لنا: "عشوا كل لحظة، فكل شيء عابر، وكل حب له نهايته." لكن، أليس الفقد في حد ذاته نقمة تقطع أوصال القلوب، وتزرع الشوك في حدائق الذكريات؟
أنت تتربص في زوايا الفرح، كظلٍّ ينتظر اللحظة المناسبة، لتفاجئني في ذروة سعادتي، وكأنك تعلن لي: "لا تفرح كثيراً، فالسعادة مؤقتة." ولكن، هل يمكن أن نعيش بلا سعادة؟ هل يمكننا أن نحتمل جراح الفقد دون أن نغمر أنفسنا في بحر من الذكريات الجميلة؟ أليس كل لحظة فرح تستحق أن تعاش حتى لو كانت نهايتها معلقة بخيوط الزمن؟
أيها الموت..
كلما كنت قاسياً، كنتُ أكثر شغفاً بالحياة. أدركت أن الأبعاد التي تشطرها هي الأبعاد ذاتها التي تجعلني أعيش التجارب بعمق. بين كل لحظة حزن، يظهر شغف جديد، يشعل في قلبي شعلة الأمل. أنينُ الحقيقة، يا أيها الموت، ليس في الفقد، بل في قدرتنا على احتضان الحياة رغم كل الصدمات. نعيش في عالم مليء بالتحديات، لكنني أؤمن أن الألم قد يُثمر عن نموٍ جديد، وأن الشوك يمكن أن يتحول إلى وردٍ إذا ما استطعنا أن نرى الجمال في عمق الفقد.
أيها الموت..
في خفوت الأوضاع، أدركت أنك تمثل ليس فقط نهاية، بل بداية جديدة لرؤية الحياة. وجودك يحفزني على التأمل في كل تفصيلة من تفاصيل الحياة، على تقدير كل لحظة كما لو كانت هدية غير متوقعة. قد تكون نغمة حزينة في لحن الوجود، لكنها أيضاً تذكير بأن الحياة ليست سوى رقصة تتداخل فيها الألوان، وأن كل جرح يمكن أن يصبح علامةً على الشجاعة.
وفي النهاية، أراك جزءاً من رحلة الحياة. تُعلِّمني أن أعيش بعمق، أن أحتضن الجمال في كل ما يأتي، وأن أستقبل كل تجربة كهدية. لذا، سأستمر في رقصتي معك، أيها الموت، محاولاً أن أجد الجمال حتى في الظلام، فالحياة، رغم كل شيء، تستحق أن تُعاش.