إلى قلب لا يلين: دروس في الصبر والقوة
بقلم: د. عدنان بوزان
إلى ذلك الإنسان الذي ذاق مرارة الحياة وتحمل أعباءها الثقيلة، كمن يسير في طريق مليء بالأشواك دون أن يلتفت إلى الجروح، بل يتجاوزها بصبر لا ينضب. هو كالجبل الراسخ في وجه العواصف، شامخ رغم قسوة الرياح، وأغصانه تمتد لتمنح الظل والثمار لكل من يقترب منه. لم يكن يوماً ممن يُكسرهم الألم، بل كان من أولئك الذين يصنعون من الألم جسراً للعبور إلى آفاق أرحب.
في صمته، كانت تتحدث حكمته، وفي عينيه كانت تنعكس حكايات الصبر والنضال. علّمنا أن الحياة ليست مجرد أيام تمر، بل هي ساحة معركة نواجه فيها ما يعترض طريقنا. الشقاء بالنسبة له لم يكن نهاية الطريق، بل فرصة لاختبار قوته وصموده. ورغم مرارة الحياة التي ذاقها، لم يكن يبحث عن شفقة أو عزاء، بل واجهها بعزيمة تشبه الجبال التي لا تهتز رغم تقلبات الزمن.
كان قلبه المتعب يفيض بالعطاء، وكأن ثقله منحه القدرة على النهوض في كل مرة تعصف بها الرياح. في كل نظرة، وفي كل كلمة، كان يعكس روحاً عظيمة، روحاً تعلمت أن الرياح لا تهز سوى الأشجار الضعيفة، بينما تُصقل القوية منها بالعواصف. وهكذا كان، عواصف الحياة زادت من صلابته، ومنحت من حوله درساً لا يُنسى: أن القوة الحقيقية تأتي من القدرة على الوقوف رغم الانكسار، ومن الإصرار على المضي قدماً رغم كل العوائق.
في كل لحظة قضيناها معه، كانت تتسلل إلينا دروس تتجاوز الكتب. دروس في الحياة، في الصبر، وفي الكرامة. لم يكن يعظنا بالكلمات فقط، بل كان هو المثال الحي لما يعنيه أن تكون قوياً رغم الألم، وأن تظل مخلصاً لمبادئك رغم كل الصعاب. وعلّمنا أن المعارك الحقيقية ليست تلك التي تُخاض بالسيوف، بل التي تُخاض بالروح والإرادة.
لقد ذاق مرارة الحياة، لكنه حول تلك المرارة إلى ينبوع من الحكمة، ينبوع لا ينضب. ربما كانت هذه هي عظمته الحقيقية: أن مرارته لم تفسد قلبه، بل ظل نقياً، مضيئاً. كان تجسيداً للقوة الهادئة، تلك القوة التي لا تحتاج إلى صوت عالٍ لتُسمع، بل تترك أثراً عميقاً في النفوس دون جلبة.
إلى ذلك القلب الكبير، الذي علمنا أن الحياة قد تكون قاسية، لكنها لا تستطيع أن تنتزع منا القدرة على العطاء والصمود. شكراً له على كل ما قدم، ليس فقط من علم ومعرفة، بل من دروس خالدة في معنى الحياة وقيمتها.