همسات الريح على شاطئ العمر

بقلم: د. عدنان بوزان

أيها الريح، يا صديق الوحدة في ليالي الصمت الطويلة، ويا من حملتَ أسرار الغائبين وأغنيات العاشقين إلى حيث لا ندري، أخبرني: ماذا وجدتَ في رحلتك الممتدة عبر المدى؟ أكنت شاهداً على وجوهٍ هزمتها الأيام، أم سامعاً لنبضات قلوبٍ أرهقها الانتظار؟

ويا من جلستَ على شاطئ العمر، تتأملُ المدى، كأنّك تبحثُ عن جوابٍ غاب في طيّات الريح، وكأنّ الأمواج تهمسُ لك بحكاياتٍ لا تنتهي. أراك جالساً هناك، بين صخب الموج وسكون السماء، تحاور البحر بعيونٍ أرهقتها الأيام، وتناجي الأفق كمن يبحث عن نفسه في مرآة الطبيعة.

أيها الحائر، أتعلم؟ إن البحر الذي أمامك هو صورةٌ عنك، عمقه غامضٌ كروحك، وأمواجه تضطرب مثل قلبك، هادئةٌ حيناً، وثائرةٌ حيناً آخر. كم من سر دفن في أعماقه، وكم من حلم جرفه التيار بعيداً؟ كذا أنت، تحتفظ بكل شيءٍ داخلك، فتبدو صامتاً، لكنك عالمٌ يعجّ بالحكايات.

أتذكر تلك اللحظة؟ حين امتدت يداك إلى الموج كأنك ترجوه أن يحمل عنك ثقل السنين، كأنك طفلٌ صغيرٌ يطلب من أمه الحنان؟ لكن الريح كانت شاهداً عليك، تحمل أنفاسك الثقيلة، وترحل بها بعيداً، كأنها ترفض أن تثقل كاهل البحر بما تحمل من أوجاع.

أيها الريح، ويا من جلستَ على الشاطئ تنتظر، أراكما تتحدثان بصمتٍ لا يسمعه أحدٌ سواكما. كأنّ الريح تسألك: "ما الذي تنتظره؟" وكأنك تجيبها بنظراتك التائهة: "أنتظر نفسي، تلك التي ضاعت في زحمة الأيام."

أتعرف ما المؤلم في الأمر؟ أنك كلما نظرتَ إلى البحر، رأيت فيه جزءاً منك: حزنك، فرحك، وشوقك الذي يطارد خيال من غابوا عنك. كأنك تسأل الموج: "أخبرني، هل حملتَ رسائلي إليهم؟ وهل ستعيدهم إليّ؟" لكن الموج يجيبك بصمته الأبدي: "أنا فقط حامل الرسائل، أما العائدون، فلا شأن لي بهم."

فلتستمع أيها الجالس على الشاطئ، الريح ستخبرك بسرٍ صغير: لا أحد يعود. كل شيءٍ يرحل ولا يعود، إلا الذكرى. فاغمرْ نفسك بها، احتضنها كأنها كل ما تبقى لك من عالمٍ كان يوماً ملكك. وابحث في الريح عن نفسك، علّها تردّ لك شتات روحك.

أيها الريح، ويا أنت الجالس في حضن البحر، ستظل قصتكما تُروى في همس الطبيعة، كحكايةٍ لا تُفهم، لكنها تُشعر القلب بثقل الحياة وجمالها في آنٍ معاً.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!