صدر العدد السادس من جريدة الرؤية في يوم الأربعاء 5 حزيران 2024
تعقيدات المشهد السوري وانعكاساته على استقرار الشرق الأوسط
في عالم يتسارع فيه التغيرات والتحولات السياسية، يظل الشرق الأوسط مسرحاً لأحداث جيوسياسية معقدة تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية. إن الأزمة السورية، التي دخلت عامها الثالث عشر، تمثل نموذجاً صارخاً للصراعات الممتدة التي تؤثر بشكل كبير على الاستقرار الإقليمي. من هذا المنطلق، نستعرض في افتتاحية جريدة الرؤية هذا الأسبوع تحليلاً معمقاً للمشهد السوري وتأثيراته على المنطقة، مع التركيز على التحركات الدولية والإقليمية، والتحديات التي تواجه الحلول السياسية المستدامة.
أولاً: الموقف الدولي والإقليمي: توازنات معقدة:
مع استمرار الأزمة السورية، تبرز الأدوار الدولية بشكل أكثر وضوحاً. الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يواصلون فرض العقوبات الاقتصادية على النظام السوري في محاولة لفرض ضغوط سياسية، إلا أن هذه العقوبات لم تحقق الهدف المنشود في دفع النظام للانخراط في عملية سياسية حقيقية. بدورها، روسيا تدعم النظام بقوة، مستخدمة وجودها العسكري والسياسي في سوريا كأداة لتعزيز نفوذها الإقليمي ومواجهة التحديات الغربية.
أما إيران، فتواصل دعمها للنظام السوري عبر تواجدها العسكري والميليشيات الموالية لها، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد ويؤثر على توازنات القوى في المنطقة. محاولات طهران لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع دول الجوار، وخاصة السعودية والولايات المتحدة، تأتي في إطار سعيها للحفاظ على نفوذها الإقليمي وتجنب التصعيد مع القوى الكبرى.
ثانياً: تركيا والمصالح المتشابكة:
تركيا بدورها تلعب دوراً معقداً، حيث تدعم فصائل المعارضة السورية في الشمال، بينما تسعى لتحقيق مصالحها الأمنية على الحدود مع سوريا. التصريحات الأخيرة حول إمكانية التقارب مع النظام السوري بوساطة دولية تشير إلى تحول محتمل في السياسة التركية، لكنه تحول يتطلب تلبية شروط أمنية تضمن حماية الحدود التركية ومنع قيام كيان كوردي مستقل.
ثالثاً: الأوضاع الاقتصادية والإنسانية:
معاناة مستمرة: على الأرض، يظل الشعب السوري يعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، تدهورت الخدمات الأساسية وارتفعت معدلات الفقر والبطالة بشكل كبير. أما في مناطق "الإدارة الذاتية" في الشمال الشرقي، فإن القرارات المتعلقة بتخفيض أسعار المحاصيل الزراعية أثارت احتجاجات شعبية واسعة، مما يعكس حجم التحديات الاقتصادية التي تواجه السكان المحليين.
رابعاً: الانتخابات والشرعية المفقودة:
في هذا السياق، تأتي الانتخابات المزمع عقدها في مناطق سيطرة النظام و"الإدارة الذاتية" لتزيد من تعقيد المشهد. هذه الانتخابات، التي تفتقر إلى النزاهة والشفافية والمشاركة الفعالة من كافة القوى السياسية، تبدو كأنها محاولة لتكريس سلطة الأمر الواقع دون تقديم حل حقيقي للأزمة. تصريحات المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين تؤكد على ضرورة أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وشاملة، وهو شرط غير متوفر في الوقت الحالي.
خامساً: البحث عن حل سياسي شامل:
إن الحل في سوريا يتطلب تحركاً دولياً وإقليمياً شاملاً. يجب أن تتبنى القوى الكبرى والمجتمع الدولي مقاربة أكثر شمولية وفعالية تجاه الأزمة السورية، تقوم على ضغوط متواصلة على جميع الأطراف للالتزام بمسار سياسي حقيقي. يتطلب هذا التنسيق بين مختلف القوى الدولية والإقليمية، مع وضع مصالح الشعب السوري في المقدمة، وتوفير بيئة ملائمة للمصالحة الوطنية وبناء مستقبل مستدام لسوريا.
سادساً: دور العرب في الحل:
الدور العربي يمكن أن يكون حاسماً في هذا السياق. القمة العربية التي انعقدت مؤخراً أظهرت إرادة واضحة من الدول العربية للتوصل إلى حل يحفظ وحدة سوريا وسيادتها ويحقق تطلعات شعبها. التحرك العربي يجب أن يكون مدعوماً بخطوات عملية تساهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة وتعزز من فرص المصالحة الوطنية.
سابعاً: الشرق الأوسط واستحقاقات المستقبل:
لا يمكن النظر إلى الأزمة السورية بمعزل عن التطورات الأخرى في الشرق الأوسط. المنطقة تعيش حالة من عدم الاستقرار تؤثر على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول. من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إلى التوترات في الخليج، والاضطرابات في العراق ولبنان واليمن، تظل قضايا الشرق الأوسط مترابطة، مما يتطلب حلولاً شاملة ومستدامة تقوم على الحوار والتفاهم.
في الختام، إن المشهد السياسي السوري، بتعقيداته وتداعياته، يظل تحدياً كبيراً أمام المجتمع الدولي. يجب أن تتكاتف الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق سلام دائم وشامل في سوريا، يتضمن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 ويضمن وحدة وسيادة البلاد، ويحقق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة والديمقراطية. فقط من خلال هذا النهج يمكن إنهاء الأزمة المستمرة وتخفيف معاناة الملايين من السوريين الذين عانوا طويلاً من ويلات الحرب والصراع.
رئيس التحرير
القراءة أو تنزيل العدد أضغط على الملف في الأسفل