بقلم: د. عدنان بوزان
لم يكن العالم يوماً واحة سلام تستجيب لمن يناشدها بالضعف، بل كان دائماً ساحة للأقوياء، حيث يُفرض الأمن ولا يُوهب، وتُرسم الحدود ولا تُستجدى. فالقوة هي اللغة التي لا تحتاج إلى ترجمة، وهي البوصلة التي تحدد مسار الأمم، والحارس الذي يمنع الأطماع من تدنيس الأرض والكرامة.
إن السياسة، رغم مظهرها القائم على الدبلوماسية والحوار، لا تنفصل عن صراع المصالح. ومن ظن أن الكلمات وحدها تصنع السلام، فقد كمن يزرع في أرض بور وينتظر الحصاد. يخبرنا التاريخ أن كل معاهدة لم تدعمها قوة تحميها، كانت مجرد حبر على ورق، وأن كل دولة فرطت في قوتها وجدت نفسها رهينة لمن لا يعرفون الرحمة.
السلاح ليس مجرد أداة للقتل، بل هو درع يحفظ الحق، وسدٌّ يقف عنده الطغيان، وحارس يمنع التاريخ من أن يتحول إلى سجل للأمم التي تخلت عن قدرتها على الدفاع عن نفسها. إن من يريد السلام لا بد أن يكون قادراً على ردع الحرب، ليس رغبة فيها، ولكن درئاً لها، لأن القوي هو من يحدد نهاية المعارك، أما الضعيف فلا يكون إلا ساحة لها.
عبر العصور، دفعت الشعوب التي اختارت السكينة في غير وقتها، وراهنـت على حسن نوايا الآخرين، أثماناً باهظة لغفلتها. وأولئك الذين ألقوا سلاحهم بحسن نية، لم يستفيقوا إلا على واقع مرير، حيث لم يكن السلام الذي حلموا به سوى هدنة قصيرة قبل أن تعود إليهم الحروب بقسوة أشد. فالتاريخ لم يكن يوماً إلا درساً صارخاً: من أراد البقاء، وجب عليه أن يكون مستعداً للدفاع عن وجوده.
لكن القوة ليست مجرد سلاح مادي، بل هي إرادة صلبة، وفهم عميق للواقع، وإدراك أن العالم لا يتغير بالأمنيات، بل بالمواقف التي يُدافع عنها بحزم. إن امتلاك القوة ليس دعوة للحرب، بل هو تأكيد على أن السلام ليس ضعفاً، وإنما ثمرة لميزان قوى متكافئ.
فهل وعينا هذه الحقيقة عبر الزمن؟ أم أننا تنازلنا عن وسائل الحماية واستسلمنا لأحلام اليقظة، حتى أيقظتنا الأيام على وقع القيود التي تحاصرنا؟