بقلم: د. عدنان بوزان
أيها الأحرار...
يا عمّال الأرض وملحها، يا من تصنعون الحياة بأكفٍ متشققةٍ من التعب، وتزرعون في رماد الأيام بذور الغد… نلتقي اليوم لا لنحتفل فحسب، بل لنتذكّر، لنتأمل، ولنصرخ صرخةً بحجم الوجع الذي يكاد يغرق هذا الشرق المثقل بالموت والمقابر الجماعية… صرخةً تعيد للإنسان كرامته، وللعمل قداسته، وللثورة معناها.
ليس عيد العمال مجرد طقسٍ شعبي أو خطابٍ روتيني يُعاد كل عام، بل هو إعلانُ تمرّدٍ ضد من يحتكرون الخبز والكرامة والهواء، ضد من يحوّلون العامل إلى عبد، والحرية إلى شعارٍ أجوف، والوطن إلى سوقٍ تُباع فيه الضمائر والمصائر.
وفي لحظةٍ كهذه، لا يمكننا أن نُغْمِض العين عن الخراب المشتعل من حولنا، ولا عن النار التي تأكل روح المشرق، من بغداد إلى دمشق، ومن غزّة إلى صنعاء، ومن عفرين إلى الساحل السوري إلى جنوب الدروز إلى القاهرة التي أنهكها العسكر، إلى بيروت التي تُستنزف بسكاكين الطوائف.
في قلب الشرق، هناك جرحٌ اسمه سوريا…
بلدٌ لم يعُد يشبه نفسه.
بلدٌ انتُزعت روحه من بين ضلوعه، وصارت دماؤه تُقسم بين قراصنة الداخل وأمراء الدم في الخارج.
سوريا اليوم لا تُحكم من قصر المهاجرين فحسب، بل من كهوف الظلام التي خرجت من أحشاء التاريخ، لتقيم "دولةً" باسم الدين، و"عدالةً" باسم الشريعة، و"انتقالاً سياسياً" باسم الخديعة.
أيها الأحرار…
من منبر الأول من أيار، لا يسعنا الصمت عن تلك المهزلة المسماة "المرحلة الانتقالية" في سوريا، والتي نُصّب فيها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) – قاتلُ الثورة وسارق دمائها – رئيساً لدولةٍ لم تُولد، وعنواناً لسلطةٍ لا تمتلك من الشرعية شيئاً، سوى وَهْمِ السلاح المقدّس وسيف التكفير.
تحت عباءته، تُرتكب الجرائم باسم الله، ويُقمع الشعب باسم الشريعة، وتُغتصب إرادة السوريين باسم "تحرير الشام"، والحقيقةُ الواضحة أنهم استبدلوا الطاغية بطاغية، والفروع الأمنية القذرة بالمخابرات العقائدية، والدولة العميقة بالفتوى العمياء.
لقد بات السوري، العاملَ والمثقفَ والمواطن، بين سندان السلطة الإجرامية السابقة ومطرقة "السلطة الجهادية البديلة"، وكلاهما وجهان للكارثة، شريكان في قتل الحلم السوري، في كسر الثورة، في اغتيال الإنسان.
أما الكورد... فدائماً خارج المعادلة، لأنهم أصحاب مشروع.
لقد رفضت هذه السلطة الجديدة الجهادية – كما رفضت القديمة – مخرجات مؤتمر القامشلي، الذي كان محاولةً شجاعةً لتجميع الصف الكوردي وتوحيد الرؤية والمصير؛ لا بهدف الانفصال، بل بهدف الانعتاق من قرون الإلغاء. رفضوا المؤتمر، لا لأنه انفصالي، بل لأنه يمتلك مشروعاً واضحاً، متماسكاً، مدنياً، علمانياً، حراً… وهذا وحده كافٍ ليُعتبر عدواً.
إن من يعادي الكورد لا يعاديهم لأنهم كورد فقط، بل لأنهم شوكةٌ في خاصرة الطغاة، ولأنهم يحملون مشروعاً يتجاوز القبيلة والطائفة والراية السوداء. مشروعٌ يؤمن بالمرأة، بالاختلاف، بالحوار، بالمجالس الشعبية، بالمشاركة… لا بالبيعة.
أيها العمال…
عيدكم هذا العام يمرّ من فوق أنقاض المدن التي شيّدتموها بأيديكم، من فوق خرائط مزّقتها البنادق، من فوق جثث أطفالكم الذين ناموا جوعى في مخيمات النزوح. لكنه يمرّ أيضاً كقنبلةٍ في وجه الساكتين، لأنه عيد من لا يملكون إلا كرامتهم، ومن لا يبيعون أصواتهم في أسواق العواصم.
في هذا العيد، نقول:
- لا للجولاني، ولا للعنصرية، ولا لمن لبس عمامة الخلافة فوق جماجمنا.
- لا لاحتكار التمثيل باسم الثورة، أو باسم الأمة، أو باسم الله.
- لا للتواطؤ الإقليمي والدولي الذي يروّج لهؤلاء كحلٍّ سياسي.
- لا للصمت عن اغتيال العقل الكوردي، وعن تهميش نضاله.
- نعم لثورة العامل، والمفكر، والفلاح، والمرأة، والكاتب، والمواطن.
- نعم لحق تقرير المصير… نعم للفيدرالية… نعم للديمقراطية والتعددية القومية.
- نعم للحرية التي لا تُمنح، بل تُنتزع.
أيها الأحرار،
في الأول من أيار، لن نرفع فقط شعاراتٍ عتيقة، بل سنرفع رؤوسنا في وجه جلاّدين جدد، ونقول لهم:
نحن لم نمت، بل ننتظر اللحظة القادمة.
نحن لم نُهزم، بل نتحوّل… ومن رمادنا ستخرج نارٌ أخرى.
نحن لسنا عبيداً لأحد… نحن أبناء الشمس والحرية، ومهما كثرت السلاسل، فإن كلمة الحق ستبقى هي المطرقة الكبرى.
المجد للعمال في كل مكان.
الحرية لسوريا، و لكوردستان، وللشرق المقهور.
والعار لكل قاتلٍ باسم الله، أو الوطن، أو الثورة.
1 أيار 2025