بقلم: د. عدنان بوزان
في دمشق، اجتمعوا ليرسموا ملامح وطن، لكن الوطن لم يكن بينهم. لم يكن غائباً فقط، بل كان مستبعداً عمداً، كما يُقصى الصوت الحر من ساحة الحقيقة، وكما يُسحق الاختلاف تحت وطأة الاستبداد.
لم يكن المؤتمر أكثر من مسرحية سياسية، حيث توزّعت الأدوار بعناية، واعتُمدت العبارات الجوفاء شعاراتٍ لتبرير ما لا يُبرَّر، فيما كانت الحقيقة الوحيدة الواضحة أن الوطن كان الغائب الأكبر، تماماً كما كان مغيَّباً عن القرار لعقود طويلة.
هناك، في تلك القاعة التي ادّعت تمثيل السوريين، لم يكن ثمّة مكان إلا لمن أتقنوا فنّ الإجرام والاستبداد تحت مسميات جديدة. لم يكن الحوار هدفاً، ولم تكن المصالحة غاية، بل كان المشهد أقرب إلى تصفية حسابات سياسية، وإضفاء شرعية شكلية على الإقصاء، حتى بدا الأمر وكأن الوطن يُختزل في أوراق التفاوض، ويُسلب من أبنائه بحبر التوافقات الخارجية، لا بإرادة شعبه.
وحين نظر الوطن إلى ما يجري باسمه، لم يجد نفسه إلا ممزّقاً بين السجون والمنافي، مقيّداً في الداخل، مطارداً في الخارج، وكأن قدره أن يبقى معلقاً بين من يريدون احتكاره ومن يسعون إلى مصادرته. ومن مفارقات المشهد أن الغائب لم يكن مفاجئاً لأحد، فقد صيغت أجندة المؤتمر منذ البداية لتتجاهله، وكأن سوريا تُبنى بمن حضر، حتى لو كان معظمهم شهود زور على اغتيال آخر ما تبقى من مفهوم الوطن الجامع.
إن أي مشروع سياسي لا يعترف بجميع مكونات سوريا، ولا يضع حقوقهم على طاولة التفاوض، لا يعدو كونه إعادة إنتاج لنهج فاشل لم يورث البلاد سوى الدمار. فتجاهل الكورد وغيرهم من القوى الفاعلة، والسعي إلى فرض رؤى أحادية، لن يؤديا إلا إلى مزيدٍ من الانقسامات، فالوطن لا يُبنى على الإقصاء، ولا يُدار بعقلية الإنكار.
لقد أثبت التاريخ أن الأنظمة التي تتجاهل تنوع شعوبها، وتقمع مطالبهم المشروعة، إنما تمهّد لانهيارها بأيديها، فالوطن لا يكون وطناً إلا حين يكون لجميع أبنائه، لا حين يُصنع على مقاس فئة واحدة تحاول احتكاره.
فيا من اجتمعتم في دمشق، وتناسيتم الوطن، تذكّروا أن سوريا لا تُختزل في قراراتكم، وأن المستقبل لا يُبنى على أنقاض الإقصاء، بل على أسس العدل والمساواة.