كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان لو أننا أُخرسنا حقاً، لو أن أصواتنا سُكتت وأقلامنا كُسرت، لربما ظننا، في لحظة من الضعف أو الخوف، أن الحياة ستغدو أسهل. لعلنا كنا سنعيش بلا تلك المواجهة التي تحرق صدورنا يوماً بعد يوم، بلا ألم المصارحة التي تلتهم أرواحنا في صمتٍ ثقيل. قد يتوهم المرء أن الصمت ملاذ، مخرج من الفوضى، من المعاناة، ومن حقيقة لا نملك القوة لتغييرها. لكن، هل حقاً؟ هل كان الصمت لينقذنا؟ أم كان سيتحول إلى لعنةٍ نعيش معها بأرواح فارغة، بلا كرامة، بلا حياة؟ لو أن أقلامنا صمتت، لفقدنا القدرة على التعبير، على الصراخ في وجه الطغاة، على تحويل الألم الذي نحمله إلى كلمات تبني طريق المقاومة. في الصمت، تتهاوى الجدران بيننا وبين المعنى، وتصبح أرواحنا سجينةً لواقع لا يتحرك. إن الصمت ليس راحة، بل هو شكل آخر من أشكال العذاب. هو جرح لا ينزف، لكنه يتعفن في الداخل، يكبر ويزداد عمقاً حتى يصبح نهراً من الخيبة،...

كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بمنطقة...

كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان لو أننا أُخرسنا حقاً، لو أن أصواتنا سُكتت...

كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان أيها الشعوب المنهكة في الشرق الأوسط، إن أصوات...

أصرخ وأصرخ حين يسمع الجهلاء

بقلم: د. عدنان بوزان

في ليل الفكر الطويل، حيث يتلاشى النور بين ثنايا العتمة، وتتعالى الهمسات المكتومة في زوايا الروح، أجدني أصرخ. أصرخ بكل ما تبقى من قوة في حنجرتي، أصرخ رغم الألم الذي يغلي في داخلي، وكأن تلك الصرخة هي صراع الروح الأخير للبقاء، مقاومة ضد العدم الذي يحيط بي. أصرخ لا لأنني أبحث عن صوت آخر يسمعني، بل لأنني أحتاج أن أخرج هذا الكم الهائل من العجز المتراكم في صدري، أصرخ وأنا أدرك أن من يسمعني ليسوا إلا الجهلاء.

إنه الجهل الذي يُطفئ نور الحكمة ويجعل من الصراخ مجرد صوت ضائع في العدم. أصرخ وأنا أشعر أن كل حرف يخرج مني يذهب هباءً، كأوراق شجر ذابلة تسقط في هاوية لا قاع لها. أصرخ وأنا أرى أمامي وجوهاً خالية من الفهم، غارقة في ظلال من العمى الروحي والعقلي. كيف يمكن أن تصرخ في عالم يصم أذنيه عن صوت العقل والحكمة؟ كيف يمكنك أن تقاتل بالوعي في مواجهة من لا يعرف إلا الجهل درباً وطريقاً؟

أصرخ وأنا أرى في عيونهم تلك النظرات الفارغة، وكأنني أتكلم بلغة لا يفهمونها، وكأنني من عالم آخر. أصرخ أمام من يستبدلون الحقيقة بالوهم، ويتزينون بمعرفة زائفة تزين لهم الجهل حُلّة العقل. أصرخ وأنا أستشعر في داخلي ألماً مريراً، ألماً يكاد يمزقني من الداخل. ليس فقط لأنهم لا يفهمون، بل لأنهم لا يريدون أن يفهموا. الجهل ليس في عدم المعرفة فقط، بل في رفض السعي نحوها.

كم هو مؤلم أن ترى نفسك تصرخ أمام عقول مغلقة، تتحدث عن الحقائق وتقدم لهم نور العلم، وهم يلتفون حول ظلام جهلهم كأنهم عشاق له، يحتضنونه بفرح. أصرخ وأنا أدرك أن كل كلمة تخرج مني تضيع في هواء ثقيل مشبع بصدى جهلهم. كل محاولة مني للشرح تتبخر كأنها لم تكن. أحاول أن أفتح نوافذ عقولهم المغلقة، لكنني أجد أمامي جدراناً سميكة، بنيت منذ زمن بعيد، مقاومة لكل نور.

وأتساءل في وسط صراخي: هل كان عليّ أن أصرخ أصلاً؟ هل كان للصوت جدوى في حضرة من أصرّ على غلق أذنيه؟ لكنني أصرخ رغم ذلك، لأن الصمت هو شكل آخر من أشكال الهزيمة. أصرخ لأنني أرفض أن أستسلم، حتى لو كان الألم ينهشني من الداخل. أصرخ لأنني أعرف أن الصراخ أحياناً هو السبيل الوحيد لإثبات وجودك، لإعلان موقفك ضد تيار الجهل المتوحش الذي يلتهم العقول.

أصرخ، وكل صرخة تحمل في طياتها قهراً ومرارة، كل صرخة هي احتجاج صامت على حالة من الجمود العقلي. أصرخ وأنا أرى كيف يستسلمون للخرافات، كيف ينقضون على كل فكرة جديدة كما ينقض الوحش الجائع على فريسته، يدمرون كل شيء بحماقة وجهل. أصرخ وأنا أشعر بالعجز يتسلل إلى روحي، كأنني أحارب في معركة خاسرة.

لكن رغم كل ذلك، لا أتوقف. أصرخ وأنا أعلم أن هناك أملاً، ربما ليس فيهم، ولكن في الصرخة نفسها. ربما لن يسمعني الجهلاء، ولكن صوتي سيبقى، سيرتد في فضاء هذا العالم المظلم، قد يصل إلى قلبٍ واحدٍ مستعد لأن يسمع، قلب قادر على كسر دوائر الجهل المتوارثة.

صرختي ليست فقط للألم، بل هي للأمل الذي لا يزال يختبئ بين الضلوع، أمل أن يوماً ما سيأتي من يسمع، من يستجيب. قد تكون الصرخة سلاحاً ضعيفاً في وجه الجهل، لكنها على الأقل صرخة تذكير، تذكير بأننا لم نستسلم بعد، وأن الحقيقة، مهما بدت بعيدة وغريبة في حضرة الجهل، لها وجود، ولها صوت.

أصرخ وأصرخ، وحين يسمع الجهلاء، لا أفقد الأمل. لأنني أدرك أن الجهل قد يكون صعباً، قد يكون معقداً ومتجذراً، لكنه ليس أبدياً.

X

تحذير

لا يمكن النسخ!