كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان الحياة ليست مجرد رحلة هادئة نحو الغاية النهائية، بل هي ساحة معركة مفتوحة، معركة تقودها قوى متناقضة تتصارع في داخلك وفي كل شيء حولك. هي حرب تبدأ منذ اللحظة التي تفتح فيها عينيك على هذا العالم، حيث تجد نفسك في مواجهة مع نفسك أولاً، ذلك العدو الأكثر شراسة وصعوبة. هذا الصراع مع النفس هو المعركة الأصعب والأكثر مرارة. أنت تقف في ميدان الحرب، سلاحك الوحيد هو قدرتك على التفكير والتأمل، بينما خصمك هو الخوف، الشك، والتردد. كل خطوة تخطوها نحو المستقبل تصبح معركة داخلية، حيث تتصارع رغباتك مع مخاوفك، وأحلامك مع واقعك القاسي. كل صباح تخرج من منزلك، تغادر ملاذك المؤقت إلى عالم مليء بالظروف القاسية التي صنعها الحمقى. أولئك الذين حكموا العالم وجعلوا منه ميداناً للفوضى والظلم. تلك الظروف ليست مجرد عقبات مادية تتجاوزها، بل هي أنظمة متجذرة، قوانين وضعية، وآراء مسبقة تمنعك من التحليق...

كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان في ليل الفكر الطويل، حيث يتلاشى النور بين...

كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان الحياة ليست مجرد رحلة هادئة نحو الغاية...

سياسة

بقلم: د. عدنان بوزان قبل تنفيذ مشروعهم بحقنا، كانوا يكررون مقولة...

أصرخ وأصرخ حين يسمع الجهلاء

بقلم: د. عدنان بوزان

في ليل الفكر الطويل، حيث يتلاشى النور بين ثنايا العتمة، وتتعالى الهمسات المكتومة في زوايا الروح، أجدني أصرخ. أصرخ بكل ما تبقى من قوة في حنجرتي، أصرخ رغم الألم الذي يغلي في داخلي، وكأن تلك الصرخة هي صراع الروح الأخير للبقاء، مقاومة ضد العدم الذي يحيط بي. أصرخ لا لأنني أبحث عن صوت آخر يسمعني، بل لأنني أحتاج أن أخرج هذا الكم الهائل من العجز المتراكم في صدري، أصرخ وأنا أدرك أن من يسمعني ليسوا إلا الجهلاء.

إنه الجهل الذي يُطفئ نور الحكمة ويجعل من الصراخ مجرد صوت ضائع في العدم. أصرخ وأنا أشعر أن كل حرف يخرج مني يذهب هباءً، كأوراق شجر ذابلة تسقط في هاوية لا قاع لها. أصرخ وأنا أرى أمامي وجوهاً خالية من الفهم، غارقة في ظلال من العمى الروحي والعقلي. كيف يمكن أن تصرخ في عالم يصم أذنيه عن صوت العقل والحكمة؟ كيف يمكنك أن تقاتل بالوعي في مواجهة من لا يعرف إلا الجهل درباً وطريقاً؟

أصرخ وأنا أرى في عيونهم تلك النظرات الفارغة، وكأنني أتكلم بلغة لا يفهمونها، وكأنني من عالم آخر. أصرخ أمام من يستبدلون الحقيقة بالوهم، ويتزينون بمعرفة زائفة تزين لهم الجهل حُلّة العقل. أصرخ وأنا أستشعر في داخلي ألماً مريراً، ألماً يكاد يمزقني من الداخل. ليس فقط لأنهم لا يفهمون، بل لأنهم لا يريدون أن يفهموا. الجهل ليس في عدم المعرفة فقط، بل في رفض السعي نحوها.

كم هو مؤلم أن ترى نفسك تصرخ أمام عقول مغلقة، تتحدث عن الحقائق وتقدم لهم نور العلم، وهم يلتفون حول ظلام جهلهم كأنهم عشاق له، يحتضنونه بفرح. أصرخ وأنا أدرك أن كل كلمة تخرج مني تضيع في هواء ثقيل مشبع بصدى جهلهم. كل محاولة مني للشرح تتبخر كأنها لم تكن. أحاول أن أفتح نوافذ عقولهم المغلقة، لكنني أجد أمامي جدراناً سميكة، بنيت منذ زمن بعيد، مقاومة لكل نور.

وأتساءل في وسط صراخي: هل كان عليّ أن أصرخ أصلاً؟ هل كان للصوت جدوى في حضرة من أصرّ على غلق أذنيه؟ لكنني أصرخ رغم ذلك، لأن الصمت هو شكل آخر من أشكال الهزيمة. أصرخ لأنني أرفض أن أستسلم، حتى لو كان الألم ينهشني من الداخل. أصرخ لأنني أعرف أن الصراخ أحياناً هو السبيل الوحيد لإثبات وجودك، لإعلان موقفك ضد تيار الجهل المتوحش الذي يلتهم العقول.

أصرخ، وكل صرخة تحمل في طياتها قهراً ومرارة، كل صرخة هي احتجاج صامت على حالة من الجمود العقلي. أصرخ وأنا أرى كيف يستسلمون للخرافات، كيف ينقضون على كل فكرة جديدة كما ينقض الوحش الجائع على فريسته، يدمرون كل شيء بحماقة وجهل. أصرخ وأنا أشعر بالعجز يتسلل إلى روحي، كأنني أحارب في معركة خاسرة.

لكن رغم كل ذلك، لا أتوقف. أصرخ وأنا أعلم أن هناك أملاً، ربما ليس فيهم، ولكن في الصرخة نفسها. ربما لن يسمعني الجهلاء، ولكن صوتي سيبقى، سيرتد في فضاء هذا العالم المظلم، قد يصل إلى قلبٍ واحدٍ مستعد لأن يسمع، قلب قادر على كسر دوائر الجهل المتوارثة.

صرختي ليست فقط للألم، بل هي للأمل الذي لا يزال يختبئ بين الضلوع، أمل أن يوماً ما سيأتي من يسمع، من يستجيب. قد تكون الصرخة سلاحاً ضعيفاً في وجه الجهل، لكنها على الأقل صرخة تذكير، تذكير بأننا لم نستسلم بعد، وأن الحقيقة، مهما بدت بعيدة وغريبة في حضرة الجهل، لها وجود، ولها صوت.

أصرخ وأصرخ، وحين يسمع الجهلاء، لا أفقد الأمل. لأنني أدرك أن الجهل قد يكون صعباً، قد يكون معقداً ومتجذراً، لكنه ليس أبدياً.

X

تحذير

لا يمكن النسخ!