مفاوضات معقدة بين قسد وهيئة تحرير الشام: تحليل معمق للتفاهمات والرهانات السياسية
بقلم: د. عدنان بوزان تشهد الساحة السورية حالياً مفاوضات مكثفة بين...
الثامن من ديسمبر: بداية جديدة لسوريا بعد سقوط النظام البعثي الإجرامي
بقلم: د. عدنان بوزان في الثامن من ديسمبر، شهدت سوريا حدثاً تاريخياً...
من أجل سوريا ديمقراطية: نحو إسقاط الاستبداد وبناء وطن العدالة والكرامة
إن إسقاط النظام البعثي المجرم ورحيله الكامل عن المشهد السياسي في...
كلمة اليوم: صمت الأوطان وثورة الأقلام: بين الركوع والمقاومة
بقلم: د. عدنان بوزان
لو أننا أُخرسنا حقاً، لو أن أصواتنا سُكتت وأقلامنا كُسرت، لربما ظننا، في لحظة من الضعف أو الخوف، أن الحياة ستغدو أسهل. لعلنا كنا سنعيش بلا تلك المواجهة التي تحرق صدورنا يوماً بعد يوم، بلا ألم المصارحة التي تلتهم أرواحنا في صمتٍ ثقيل. قد يتوهم المرء أن الصمت ملاذ، مخرج من الفوضى، من المعاناة، ومن حقيقة لا نملك القوة لتغييرها. لكن، هل حقاً؟ هل كان الصمت لينقذنا؟ أم كان سيتحول إلى لعنةٍ نعيش معها بأرواح فارغة، بلا كرامة، بلا حياة؟
لو أن أقلامنا صمتت، لفقدنا القدرة على التعبير، على الصراخ في وجه الطغاة، على تحويل الألم الذي نحمله إلى كلمات تبني طريق المقاومة. في الصمت، تتهاوى الجدران بيننا وبين المعنى، وتصبح أرواحنا سجينةً لواقع لا يتحرك. إن الصمت ليس راحة، بل هو شكل آخر من أشكال العذاب. هو جرح لا ينزف، لكنه يتعفن في الداخل، يكبر ويزداد عمقاً حتى يصبح نهراً من الخيبة، نهراً يجرف معه كل أمل كان ممكناً.
كيف لنا أن نختار الصمت ونحن نعلم أن خلفه الظلم يستفحل؟ الطغاة يتغذون على الصمت، على خوفنا من الكلام، على انهيار الأقلام التي تحمل في طياتها نضالنا. لو أننا سكتنا، لكانت صفحات التاريخ قد كُتبت بأيدي من يُحكم قبضته على الحقيقة، ولأصبحت أكاذيبهم هي ما يتعلمه أطفالنا، وهي ما يُبنى عليه المستقبل. الصمت يُخنق في أحشائه حكايات من سقطوا، من قُتلوا دون أن يُعرف عنهم شيء، قصص من فقدوا كل شيء لكنهم لم يفقدوا صوتهم.
الكتابة ليست مجرد حروف نخطها على الورق، بل هي جرحٌ مفتوح ينزف الحقيقة. كل كلمة هي مقاومة، كل جملة هي ثورة ضد الطغيان، كل نص هو خطوة نحو استعادة كرامة وطن. الكتابة ليست رفاهية، وليست ترفاً يُمارسه من يملك الوقت، بل هي فعل الحياة. الكتابة هي الصمود في وجه المحن، هي الجدار الأخير الذي نحتمي به عندما تُكسر كل الأسوار الأخرى. هي المعركة التي نخوضها كل يوم، بسلاح الكلمة التي تبقى رغم كل شيء، التي تعيش حتى عندما تُخنق الأصوات.
في لحظات الألم، عندما نكتب عن الذين سقطوا وعن الذين سُجنوا، نكتب عنهم لا لنُخلّد أسماءهم فقط، بل لنُحيي فينا وفي الآخرين ذلك الشعور بالكرامة. لأن الكرامة ليست شيئاً نملكه بالفطرة، بل هي شيء نُقاتل من أجله. الكرامة هي الشعلة التي تشتعل فينا كلما وقفنا في وجه الظلم. ولو أننا صمتنا، لكنا تخلينا عن تلك الشعلة، وسمحنا للظلم بأن يُطفئ آخر ما تبقى لنا من إنسانيتنا.
الطغاة يخافون من الكلمة لأنها تُحرر. الرصاصة تقتل الجسد، لكن الكلمة تُحيي الروح، تخلق الأمل في قلوب المحطمين، وتبني الجسور بين المنسيين. نكتب لأننا نرفض أن نكون أدوات في يد من يسيطرون على مصائرنا. نكتب لأننا نؤمن أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع. نكتب لأن الصمت يُميت، والكلمة تُنقذ.
لو أننا أخرسنا أقلامنا، لكنا سلمنا حياتنا لأيدي الطغاة دون مقاومة. لكنا فقدنا تلك الشعلة التي تُبقينا أحياء وسط الظلام. نحن لا نكتب لننشر الحزن فقط، بل لنحمل الأمل بين سطورنا، ذلك الأمل الذي ينبثق من الرماد، الذي يعيش في قلوب من لم يعودوا يملكون شيئاً سوى كلماتهم. نكتب لأن الكتابة هي السبيل الوحيد للحرية، هي النافذة التي نطل بها على عالم قد يكون أفضل، قد يكون أكثر إنصافاً وعدلاً.
في كل حرف نكتبه، نحمل جزءاً من ألم أمتنا. في كل جملة نسطرها، نضع حجراً في بناء الجسر الذي سيربطنا يوماً بوطنٍ يكون لنا جميعاً، وطنٍ لا يُبنى على الصمت والخوف، بل على الصدق والكرامة. نعم، قد يبدو الصمت أحياناً أسهل، لكنه لن يكون يوماً الحل. لأننا إن صمتنا، سنفقد القدرة على الحلم، وسنفقد الفرصة لبناء وطن نحلم به كل يوم.
إن الكتابة هي امتداد لأرواحنا التي تأبى الخضوع. هي صوت المظلومين، هي حكاية المنسيين، وهي الأمل الأخير في عالمٍ تسوده الظلمات. لو أننا صمتنا، لكنا أغمضنا أعيننا أمام الحقيقة. لكننا نكتب، ونقاوم، ونحيا بالكلمات، لأننا نؤمن أن في كل حرف نكتبه بذرة حياة جديدة، بذرة تغيير تنمو في قلوب من يقرأ، وفي قلوب من يؤمن أن الحياة تستحق أكثر من مجرد الصمت.