كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان لو أننا أُخرسنا حقاً، لو أن أصواتنا سُكتت وأقلامنا كُسرت، لربما ظننا، في لحظة من الضعف أو الخوف، أن الحياة ستغدو أسهل. لعلنا كنا سنعيش بلا تلك المواجهة التي تحرق صدورنا يوماً بعد يوم، بلا ألم المصارحة التي تلتهم أرواحنا في صمتٍ ثقيل. قد يتوهم المرء أن الصمت ملاذ، مخرج من الفوضى، من المعاناة، ومن حقيقة لا نملك القوة لتغييرها. لكن، هل حقاً؟ هل كان الصمت لينقذنا؟ أم كان سيتحول إلى لعنةٍ نعيش معها بأرواح فارغة، بلا كرامة، بلا حياة؟ لو أن أقلامنا صمتت، لفقدنا القدرة على التعبير، على الصراخ في وجه الطغاة، على تحويل الألم الذي نحمله إلى كلمات تبني طريق المقاومة. في الصمت، تتهاوى الجدران بيننا وبين المعنى، وتصبح أرواحنا سجينةً لواقع لا يتحرك. إن الصمت ليس راحة، بل هو شكل آخر من أشكال العذاب. هو جرح لا ينزف، لكنه يتعفن في الداخل، يكبر ويزداد عمقاً حتى يصبح نهراً من الخيبة،...

كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بمنطقة...

كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان لو أننا أُخرسنا حقاً، لو أن أصواتنا سُكتت...

كلمة اليوم

بقلم: د. عدنان بوزان أيها الشعوب المنهكة في الشرق الأوسط، إن أصوات...

كلمة اليوم: ما وراء الأنقاض: كيف تبني الشعوب مستقبلها؟

بقلم: د. عدنان بوزان

أيها الشعوب المنهكة في الشرق الأوسط، إن أصوات الحروب وقسوتها لا تزال تتردد في آذاننا، لكنها ليست النهاية. بعد كل هذا الدمار، وبعد أن هدأت بعض النيران في أماكن، واشتعلت من جديد في أماكن أخرى، وبقيت الجراح مفتوحة، يأتي السؤال الذي يجب أن نطرحه جميعاً: ماذا بعد؟

إن الطريق إلى المستقبل لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الحروب فقط. أمامنا مسؤولية مشتركة، لا تعتمد فقط على ما تفعله الحكومات أو القوى الخارجية، بل تعتمد أولاً وأخيراً على إرادتنا نحن كشعوب. قد نكون مررنا بسنوات من الفوضى والصراع، لكن الوقت قد حان لنتساءل: هل سنسمح لماضي الحروب أن يشكل مستقبلنا، أم أننا سنبني مستقبلاً جديداً مختلفاً؟

لدينا فرصة فريدة لإعادة تعريف هوياتنا الجماعية. يجب أن ندرك أن الهوية ليست سلاحاً يُستخدم في صراع على السلطة أو النفوذ، بل هي قاسم مشترك يربطنا جميعاً كبشر، كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. لقد دُمّرت بلداننا ليس فقط بفعل القنابل، ولكن أيضاً بسبب التفرقة الطائفية والعرقية والسياسية التي زرعت بيننا. من هنا، لا يمكن لأي دولة أن تنجح دون أن تعترف بمواطنيها جميعاً على قدم المساواة، دون تمييز أو إقصاء.

علمتنا الحروب درساً قاسياً: العنف لا يحقق العدالة، والقوة لا تؤدي إلى الاستقرار. السلام الحقيقي لا يُفرض بالسلاح، بل يُبنى بالتوافق، بالحوار، وبالاعتراف بحقوق الجميع. نحن بحاجة إلى نظام سياسي جديد، نظام لا يقوم على الاستبداد أو التفرد بالسلطة، بل على ديمقراطية حقيقية، تضمن لكل مواطن أن يُسمع صوته، وأن تُحترم حقوقه.

لكن الديمقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع أو دستور يُكتب على الورق. الديمقراطية هي ثقافة، هي الثقة المتبادلة بين الشعب والحكومة، وهي الفهم العميق بأن القوة تكمن في التعاون، وليس في الصراع. نحن بحاجة إلى إعادة بناء تلك الثقة المفقودة، وإعادة الروح إلى المؤسسات التي دمرتها سنوات من الفساد والتهميش.

ولكي ننجح في هذا، علينا أن ندرك أن دورنا كأفراد وجماعات ليس فقط في الانتقاد أو الاحتجاج، بل في المشاركة الفعّالة في بناء المجتمع. علينا أن نضع أيدينا معاً، ونتخلى عن الأحقاد التي خلفتها الحروب. لنبنِ حواراً قائماً على احترام الآخر، مهما كانت اختلافاتنا. فالاختلاف ليس عيباً، بل هو مصدر قوة إذا ما استطعنا استخدامه في خلق تنوع يُغني مجتمعاتنا.

دعونا نتحدث بصراحة، أيها الشعوب. إن القوى الخارجية، سواء كانت دولاً أو مؤسسات دولية، لن تستطيع بناء مستقبلنا نيابة عنا. تلك القوى لها مصالحها، ولطالما كانت منطقتنا ساحة لصراعات القوى العظمى. لكن، مستقبلنا يجب أن يكون نتاج إرادتنا نحن، وليس مفروضاً من الخارج. نعم، قد نحتاج إلى الدعم الدولي، سواء في إعادة الإعمار أو في تحقيق السلام، ولكننا لا يجب أن نعتمد على الآخرين لبناء رؤيتنا للمستقبل.

إنها لحظة فارقة. إما أن نستمر في دوامة العنف والانقسام، أو أن نختار طريق السلام والعدالة. ولا يمكن لهذا السلام أن يتحقق إلا إذا أدركنا أننا كلنا في قارب واحد. إن العنف الذي يضرب منطقة ما سيؤثر على كل المنطقة. الاستقرار لا يمكن أن يكون انتقائياً، والأمان لا يتحقق لشعب دون آخر.

ما أطرحه عليكم ليس مجرد حلم مثالي، بل هو خيار سياسي واقعي. خيار يقوم على فهم عميق لدروس التاريخ، وعلى الإيمان بأن الشعوب التي تعرف كيف تلتئم جراحها يمكنها أن تقف على قدميها من جديد. ليست المهمة سهلة، وقد تستغرق وقتاً طويلاً. لكن إذا كانت الحروب قد أثبتت شيئاً، فإنها أثبتت أن الاستمرار في النهج القديم لن يؤدي إلا إلى المزيد من الدمار.

لنواجه الحقيقة: مستقبل منطقتنا يعتمد علينا. إذا أردنا أن نغير مسارنا، علينا أن نبدأ اليوم. دعونا نزرع بذور المصالحة، نفتح أبواب الحوار، ونتجاوز الأحقاد. فالسلام لا يُبنى بالكراهية، والمستقبل لا يُصنع إلا بالإرادة المشتركة.

X

تحذير

لا يمكن النسخ!