كوباني: ملحمة المقاومة وبوابة سوريا الجديدة
بقلم: د. عدنان بوزان مدينة كوباني التي خطّت بدماء أبنائها وبناتها...
تصريح سياسي تحذيري: الاعتراف بحقوق الكورد أو غياب الاستقرار في سوريا
إننا نحن الكورد، ومن منطلق إدراكنا العميق لحجم التحديات التي تواجهنا...
تصحيح المسار السياسي الكوردي في سوريا: نحو رؤية واقعية واستقلالية
بقلم: د. عدنان بوزان في ظل التعقيدات التي تحيط بالمشهد السياسي...
كوباني: ملحمة المقاومة وبوابة سوريا الجديدة
بقلم: د. عدنان بوزان
مدينة كوباني التي خطّت بدماء أبنائها وبناتها ملحمة صمود أسطورية في مواجهة إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لم تكن مجرد مدينة تدافع عن نفسها، بل شكلت رمزاً للنضال من أجل الحرية والكرامة، وخطوة أولى نحو تحرير سوريا من براثن الإرهاب. ومع ذلك، فإن أعداء الكورد – سواء كانوا دولاً، تنظيمات، أو أيديولوجيات متطرفة – يسعون بكل الوسائل إلى طمس هذا الانتصار في ذاكرة السوريين، لأنهم يدركون أن بقاء كوباني رمزاً للمقاومة والانتصار يعني بقاء الأمل في سوريا جديدة تُبنى على أسس العدالة والمساواة والاحترام المتبادل.
إن التضامن مع كوباني واجب أخلاقي قبل أن يكون سياسياً. على كل السوريين، من جميع المكونات، أن يتجاوزوا خلافاتهم وأن يتوحدوا دفاعاً عن القيم التي تمثلها كوباني: الكرامة، الحرية، وحق الحياة. كوباني لم تكن تدافع عن نفسها فقط، بل دافعت عن الإنسانية بأسرها ضد قوى الظلام التي سعت إلى تحويل سوريا إلى مركز للتطرف والإرهاب. انتصار كوباني على داعش كان البداية التي مهدت الطريق لدحر التنظيم الإرهابي في البادية السورية، وأثبتت للعالم أن سوريا قادرة على الوقوف من جديد.
لكن أولئك الذين تربطهم صلات فكرية أو تنظيمية بداعش، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لا يريدون لهذا الانتصار أن يبقى. إنهم يناهضون كل ما تمثله كوباني: المقاومة، التضحية، والإرادة الجماعية. وهؤلاء ليسوا أعداء كوباني فحسب، بل أعداء لسوريا الجديدة التي نناضل جميعاً من أجل تحقيقها.
إن الحرب المستمرة على كوباني، سواء كانت عسكرية، سياسية، أو إعلامية، ليست موجهة ضد الكورد وحدهم، بل هي حرب على مشروع سوريا الجديدة. إنها محاولة لطمس كل انتصار حققه الكورد في معاركهم ضد الاستبداد والتطرف، واستهداف للهوية الكوردية كمكون أساسي في النسيج السوري. هذه الحرب ليست فقط حرباً ضد الكورد، بل ضد كل السوريين الشرفاء الذين يحلمون بتحرر بلادهم من إرث الاستبداد والفساد.
سقوط النظام الطاغي في دمشق لن يكون له أي معنى إذا استمرت الخطابات المليئة بالكراهية والتمييز تجاه الكورد. إن بناء سوريا جديدة يتطلب تطهير العقول من رواسب العقود الطويلة من القمع والاستعلاء، والاعتراف بالكورد كشركاء متساوين في الوطن. شهداء الكورد الذين ضحوا بأرواحهم لتحرير سوريا من الرايات السوداء لداعش لم يكونوا يدافعون عن كوباني فقط، بل عن سوريا كلها. يستحقون التكريم والاعتراف بدورهم التاريخي في الحفاظ على وحدة سوريا وتحريرها من الإرهاب.
سوريا ليست حكراً على طائفة، دين، أو قومية واحدة. تكرار تجربة حزب البعث، ولو بحلة جديدة تحت شعارات ديمقراطية مزيفة، لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الكوارث التي عصفت بالبلاد. إذا أردنا أن تكون سوريا وطناً للجميع، فلا بد من نبذ الإقصاء والتمييز، والاعتراف بحقوق جميع المكونات الوطنية – من الكورد إلى العلويين إلى السنة إلى الدروز إلى السريان والآشوريين والأرمن وكل الأقليات الأخرى.
لا بديل عن وحدة الصف الكوردي إذا أردنا الحفاظ على أحلامنا وآمالنا في مستقبل أفضل. الانقسامات الداخلية لا تخدم إلا أعداء الكورد، سواء كانوا أنظمة مستبدة أو تنظيمات متطرفة. إذا تلاشت وحدة الصف الكوردي، فإن تلاشي أحلامنا سيصبح حتمياً.
الكورد، بقدر ما هم جزء لا يتجزأ من سوريا، لديهم مسؤولية تقديم نموذج للوحدة والتضامن، ليس فقط داخل صفوفهم، بل مع جميع المكونات السورية الأخرى. السريان، الآشوريون، الأرمن، والعرب – جميعهم شركاء في هذا الوطن. ليست هناك أقلية أو أكثرية، بل هناك وطن واحد يجب أن يُبنى على أسس العدالة والمساواة.
في الختام، انتصار كوباني لم يكن مجرد حدث عابر في سياق الصراع السوري، بل كان بداية لصناعة مستقبل جديد. على السوريين جميعاً أن يدركوا أن مصير كوباني جزء لا يتجزأ من مصير سوريا. إذا ضاعت كوباني، فلن تكون خسارة للكورد وحدهم، بل خسارة للوطن بأكمله. أما إذا انتصرت كوباني، فإن هذا الانتصار سيكون انتصاراً للأمل، بدايةً لسوريا التي يتسع قلبها للجميع.