لقد دخلت سوريا مرحلةً أشدَّ خطورةً مما عرفناه طوال سنوات الحرب الطويلة. فبعد سقوط النظام الاستبدادي القديم، لم تولد سلطة ديمقراطية أو تمثيلية تعبّر عن تطلعات الشعب، بل اختُطِفَت العاصمة دمشق نفسها من قِبل سلطة جهادية إرهابية، يتزعمها المدعو أبو محمد الجولاني، الذي ارتقى إلى رأس "السلطة الجديدة" في دمشق، ونصّب نفسه رئيساً لسوريا خلال المرحلة الانتقالية، بغطاء خارجي وصمتٍ داخلي مريب.
إن ما نشهده اليوم ليس مجرد انتقال للسلطة، بل انتقالٌ للارتهان أمام مشروعٍ جديد قائم على العنف والتطرف، يهدّد هوية سوريا ووحدتها الوطنية. فبدلاً من أن نرى في الجولاني بديلاً حقيقياً للنظام البائد، نراه يعيد إنتاج الاستبداد بشكلٍ أكثر تطرفاً، مُضافاً إليه أجندة جهادية تهدد بتدمير النسيج الاجتماعي السوري. هذا التحوّل المريع لا يُعبّر عن أملٍ أو تغيير، بل عن استمرارية للأزمات التي أرهقت هذا الشعب طوال عقود.
إنّ ما نشهده اليوم ليس انتقالاً للسلطة، بل انتقالاً للإرهاب من صورته البعثية إلى صورته التكفيرية. فـ"السلطة الجديدة" التي تزعم أنها تمثل نهاية نظام الأسد، ليست سوى وجه آخر للاستبداد، بل أشدّ ظلامية منه، لأنها تجمع بين القمع السياسي والتطرّف العقائدي.
نُعلن بوضوح:
سلطة الجولاني في دمشق ليست تحريراً، بل هي احتلال داخلي، وإعادة إنتاج لتنظيم داعش بثوبٍ رسمي.
إنّ هذه السلطة لا تؤمن بالدولة، ولا بالمواطنة، ولا بحقوق المرأة، ولا بالتعددية، بل تؤمن فقط بالسيف، والفتوى، والولاء القبَلي – الديني. وما يجري اليوم في قلب العاصمة السورية، وفي مؤسساتها، وما يُفرض على الناس من وصاية فكرية وسلوكية ودينية، ليس إلا تدميراً لما تبقّى من روح سوريا، ومن حلم ثورتها.
وإزاء هذا الانقلاب الخطير على مستقبل البلاد، نوجّه نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي، إلى الأمم المتحدة، إلى الاتحاد الأوروبي، وإلى كل من يؤمن بحقوق الإنسان والحرية:
نطالب بما يلي:
1- إعلان دمشق منطقة خاضعة لسلطة إرهابية جهادية، تستوجب الحماية الدولية العاجلة.
2- توفير حماية أممية فورية لكافة مكوّنات الشعب السوري، من الشمال والشرق إلى الساحل والجنوب، وعلى رأسها:
- الشعب الكوردي، الذي يُستهدف في هويته ونموذجه الديمقراطي،
- المسيحيون، السريان، والآشوريون، الذين يواجهون خطر الإبادة الرمزية،
- قُتل الطائفة العلوية باسم "فلول النظام البائد"،
- قُتل الطائفة الدرزية باسم "الخيانة والتعامل مع إسرائيل"،
- وغيرهم من الأبرياء قُتلوا بذات الذرائع الباطلة التي تستخدمها القوى المتنازعة.
- النساء، اللواتي يُقمعن باسم الدين،
- الصحفيون، والمفكرون، والنشطاء، المعرّضون للاغتيال أو التكفير.
إن هذا العنف الممنهج لا يهدف فقط إلى تصفية الخصوم السياسيين، بل يسعى أيضاً إلى:
- زرع الفرقة والتقسيم بين مكونات المجتمع السوري.
- تدمير النسيج الوطني الذي ظل صامداً رغم سنوات الحرب.
3- تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جرائم "السلطة الجديدة" بقيادة الجولاني، سواء في إدلب أو دمشق، ومحاسبة الجهات الإقليمية والدولية التي تدعمها.
4- الاقرار بالنظام الفيدرالي في سوريا، يعبّر عن خيار مدني حقيقي لجميع السوريين.
إننا نرفض أن يُفرَض على الشعب السوري هذا الابتزاز القاتل:
إما الاستبداد باسم الأمن، أو التطرف باسم الله.
ولن نسمح بأن تُغتصب ثورتنا مرتين:
مرّة على يد الأسد، ومرّة على يد الجولاني.
من أجل سوريا حرّة، مدنية، تعددية، علمانية...
نُعلن هذا البيان صرخةً في وجه العالم، وجرس إنذار أخير قبل أن تنزلق البلاد بالكامل تحت عباءة الإرهاب المموّه بربطة عنق سياسية.
1 أيار 2025
الدكتور عدنان بوزان