بقلم: د. عدنان بوزان
ماذا لو كانت الحياة مجرّد وهمٍ ناتج عن ارتباكِ المادة؟
ماذا لو كانت الحياة، في جوهرها، ليست كينونةً مستقلة، بل خفقةً عابرةً في صدر الجماد، لحظةَ تردّدٍ في صمت الصخر، رعشةَ حيرةٍ بين أن تبقى مادةً... أو أن تُولَد؟
ألم تفكّر يوماً أنّ الحياة ليست سوى شكلٍ من أشكال المقاومة؟
مقاومةُ المادة لصمتها، لنظامها، لجمودها الأبدي؟
فحين تعبت الذرّة من الدوران الصامت في أفلاكها، وحين سئم الإلكترون رقصة الطاعة حول نواةٍ باردة، انفجرت الحياة كصرخةٍ أولى في مملكة اللا صوت.
الحياة ليست نقيضَ المادة، بل هي قلقُها. هي خوفُها من العدم. هي طريقتُها في أن تتكلّم، أن تندم، أن تحلم.
وكلُّ كائنٍ حيٍّ إنما هو جملةٌ غير مكتملةٍ في كتابٍ ماديٍّ يرفض أن يُغلَق.
الماء حين ينساب، لا يُفكّر. لكنّه إذا ارتجف في بركةٍ راكدة، قد يَختَرع الضفدع.
والتراب لا يحلم، لكنّه حين يحتقن بضوءٍ ووقتٍ وصدفة، يولد الإنسان.
أليس هذا جنوناً؟
أليس في قاع المادة بركانُ حياةٍ لم ينفجر بعد؟
إنّ الحياة ليست "وافدةً" على المادة، بل هي مخبوءةٌ فيها، كما يختبئ الشعر في صخر القصيدة قبل أن يجيء الشاعر.
ربّما نعيش في وهمٍ مقلوب: لسنا نحن من نحيا، بل المادة هي التي تُحيينا.
نحن تجلّياتُها العابرة، نزواتُها العارضةُ نحو المعنى.
كلُّ نبضةٍ في القلب هي انزلاقٌ خاطفٌ من قوانين الفيزياء إلى حدود الجنون، من انتظام الذرّة إلى انفلات الشعور.
ولذلك، فإنّ كلّ موتٍ ليس نهايةً للحياة، بل عودةُ النظام إلى طبيعته.
كأنّ الحياة كانت خطأً مؤقّتاً، صحّحته المادة حين تعب القلب.
هكذا قال معلّمي.