تعزيز الوحدة والتنمية: استراتيجيات لتحسين الظروف الذاتية في القضية الكوردية
بقلم: د. عدنان بوزان
تتشابك القضية الكوردية بشكل عميق مع التوترات الإقليمية والديناميكيات السياسية في الشرق الأوسط، وتأخذ أبعاداً معقدة تتأثر بمصالح دولية وإقليمية متعددة. في هذا السياق، نجد أن الظروف الموضوعية التي تحيط بالشعب الكوردي تبدو، في الكثير من الأحيان، ملائمة لتحقيق بعض التقدم نحو الاعتراف الدولي والحكم الذاتي، بيد أن الظروف الذاتية داخل المجتمعات الكوردية غالباً ما تشهد توترات وتفتتاً قد يعيق هذه الجهود.
أولاً: الظروف الموضوعية:
1- الاعتراف الدولي والدعم: في السنوات الأخيرة، شهد الكورد تزايداً في الاعتراف الدولي، خاصة بفضل دورهم البارز في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). الدعم العسكري والسياسي من قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في التحالف الدولي، أسهم في تعزيز مكانتهم كفاعلين إقليميين لا يمكن تجاهلهم.
2- التحولات الإقليمية: التحولات السياسية في العراق وسوريا، مثل سقوط صدام حسين والأزمة السورية والحروب المدمرة، خلقت فراغاً سياسياً سمح للكورد بكسب درجات من شبه الحكم الذاتي. في شمال سوريا، أسس الكورد إدارة ذاتية في مناطق واسعة.
ثانياً: الظروف الذاتية:
1- الانقسامات الداخلية: على الرغم من المكاسب الخارجية، تظل الحركة الكوردية معرقلة بانقسامات داخلية حادة. الخلافات بين الأحزاب الكوردية الرئيسية، مثل الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، تعرقل الجهود نحو توحيد الصفوف وتقديم جبهة موحدة في المطالبات السياسية والثقافية.
2- تحديات الحكم الذاتي: حتى في المناطق التي حقق فيها الكورد درجات من الحكم الذاتي، تظل هناك تحديات جمة تتعلق بالإدارة، الأمن، والاقتصاد. هذه التحديات تعكس الصعوبات في بناء مؤسسات فعالة ومستدامة تعزز الثقة بين الكورد وتعمق الشعور بالهوية القومية.
لذا، بينما توفر الظروف الموضوعية فرصاً استثنائية لتعزيز مكانة الكورد ودعم قضيتهم على المسرح الدولي، فإن الظروف الذاتية المتوترة تتطلب اهتماماً داخلياً جاداً لتحقيق الوحدة والاستقرار الذي يمكن من خلاله استغلال هذه الفرص بشكل كامل.
ثالثاً: التحديات المستمرة في تحقيق التماسك الداخلي:
1- الاختلافات الأيديولوجية: الاختلافات في التوجهات السياسية والأيديولوجية بين الفصائل الكوردية تؤدي إلى صراعات داخلية قد تعيق الجهود الموحدة للنهوض بالقضية الكوردية. هذه الاختلافات تحتاج إلى معالجة من خلال حوارات داخلية بناءة تضمن تعاوناً أوسع وتقارباً في الرؤى.
2- الضغوط الخارجية: تواجه الأحزاب الكوردية ضغوطاً من الدول المجاورة مثل تركيا وإيران، اللتين تشعران بالقلق من قوة الحركة الكوردية وما قد تعنيه من تأثير على الشعب الكوردي ضمن حدودهما. هذه الضغوط تتطلب رداً موحداً واستراتيجية مشتركة لمواجهة التأثيرات السلبية.
3- الحاجة إلى البناء المؤسسي: يحتاج الكورد إلى تطوير مؤسساتهم الخاصة التي تعزز الحكم الذاتي وتدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. التعليم، الصحة، والبنية التحتية هي مجالات يجب أن تكون في صميم جهود التنمية.
ثالثاً: الخطوات الممكنة للمضي قدماً:
1- تعزيز الحوار الداخلي: يجب على الفصائل الكوردية تعزيز قنوات الحوار والتفاهم المتبادل لتجاوز الخلافات الأيديولوجية والتكتيكية. إنشاء منصات للحوار الداخلي والمؤتمرات المشتركة قد تساعد في صياغة رؤية مشتركة.
2- بناء تحالفات استراتيجية: من المهم للكورد أن يواصلوا بناء تحالفات مع القوى الدولية والإقليمية التي يمكن أن تدعم قضيتهم. هذه التحالفات يمكن أن توفر حماية دولية ودعماً لتطلعاتهم.
3- تركيز على التنمية البشرية والاقتصادية: يجب على الكورد التركيز على بناء مجتمعاتهم من خلال التعليم وتطوير البنية التحتية وتحسين الظروف الاقتصادية. الاستثمار في التعليم يعد خطوة أساسية لبناء جيل قادر على المساهمة بفعالية في مستقبل الحركة الكوردية وتعزيز قدراتهم في المفاوضات والحوارات الدولية.
4- تعزيز الوحدة الثقافية والهوية الكوردية: من المهم تعزيز الهوية الكوردية من خلال الثقافة واللغة والتقاليد، مما يساعد في توحيد الأفراد والمجتمعات الكوردية عبر الحدود الجغرافية والسياسية. الثقافة يمكن أن تكون وسيلة لتعزيز الوعي والفخر القومي.
5- العمل على التكامل الاجتماعي: يجب أن تسعى الأحزاب الكوردية إلى الاندماج الاجتماعي والتعايش السلمي مع المجتمعات المحلية والأقليات الأخرى في المناطق التي يتواجدون بها. هذا يشمل تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل، مما يساهم في استقرار المنطقة ويعزز مكانة الكورد كشركاء في السلام والتنمية.
6- تحسين الاتصالات والإعلام: لعب الإعلام والاتصالات دوراً حيوياً في تشكيل الرأي العام والسياسة. يجب على الكورد استخدام هذه الأدوات بفعالية لنشر قضيتهم وجمع الدعم الدولي، وكذلك لتعزيز الوحدة والتفاهم داخل الحركة الكوردية.
7- تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية: تطوير النظم الديمقراطية وتعزيز المشاركة السياسية داخل المجتمعات الكوردية سيسهم في خلق بيئة سياسية أكثر استقراراً وفعالية. ضمان مشاركة واسعة في العملية السياسية يمكن أن يساعد في حل الخلافات الداخلية وتعزيز الشفافية والمساءلة.
من خلال العمل على هذه الجوانب، يمكن للكورد تحسين ظروفهم الذاتية واستغلال الظروف الموضوعية المواتية بأفضل شكل ممكن. هذا سيقوي موقفهم في الساحة الإقليمية والدولية ويدعم جهودهم لتحقيق أهدافهم الوطنية والثقافية.