اللعب بورقة اللاجئين السوريين: بين السياسة والتضحية الإنسانية

بقلم: د. عدنان بوزان

تشهد الساحة السياسية في دول الجوار السوري تزايداً ملحوظاً في استخدام ورقة المهاجرين السوريين كأداة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وخارجية. هذا التوجه يبدو وكأن هناك اتفاقاً خفياً أو ضمنياً بين هذه الدول للتخلص من اللاجئين السوريين على أراضيهم. تعمل تلك الدول بطرق مختلفة لتجاوز مفاعيل القانون الدولي وإجبار من يتم ترحيله على التوقيع بقبول الترحيل، مما يعطي ذلك صبغة القبول الرضائي لعودتهم الطوعية إلى بلدهم. ولكن في حقيقة الأمر، ما يتم فعلاً هو ترحيل قسري بامتياز.

في تركيا ولبنان، تتصاعد مواقف وتصريحات الجهات الرسمية بلهجة عنصرية تجاه السوريين، بما في ذلك التضييق عليهم في أماكن العمل والمحال التجارية، والطرد من منازلهم ومخيماتهم. يتعرض اللاجئون لأشكال متعددة من الإهانات، بما في ذلك الاعتداء السافر عليهم، والقيام بعمليات الضرب والخطف والقتل. هذا السلوك العنصري، خصوصاً من القوى السياسية وأتباعها، هو نتيجة مباشرة للأزمة السياسية والاقتصادية التي يكتوي بها البلدان. بدلاً من التوافق السياسي للخروج من أزماتهما المتلاحقة والمستعصية، يلجأ السياسيون وزعماؤهم التقليديون إلى تفريغ شحنة غضبهم على السوريين، وكأنهم هم أسباب أزماتهم الاقتصادية والسياسية، بهدف صرف النظر عن حقيقة المشاكل التي يعاني منها المواطنون.

يُعتبر ترحيل السوريين القسري مخالفةً صريحة لقواعد القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة. لا يجوز تحت أي ظرف طرد السوريين وتعريض حريتهم وحياتهم للخطر، كما لا يجوز استخدام ورقة السوريين في بازار الابتزاز السياسي في الداخل التركي أو اللبناني أو ابتزاز الغرب من أجل زيادة معدلات المساعدات الإنسانية التي لا يصل منها إلى المهجرين السوريين سوى الفتات.

يتحمل المجتمع الدولي ومنظماته مسؤولية كبيرة في معاناة السوريين المهجرين وطردهم من تركيا ولبنان ودول الجوار السوري، بسبب إدارة ظهره لكل ما يلحق بالسوريين من إهانة ومهانات وترحيل محفوف بالمخاطر. يجب على المنظمات الدولية والدول الداعمة للدول المستضيفة للمهاجرين إرسال بعثات تحقيق وتقصي الحقائق لما يتعرض له السوريون، وضبط عمليات التلاعب والتزوير والترهيب في الوثائق التي تسجل فيها زوراً العودة الطوعية لهم. يجب أن تكون المساعدات الإنسانية للدول المستضيفة مرتبطة بشكل صارم بمدى احترام وصيانة الحقوق الإنسانية للمهاجرين.

كما يتحمل المجتمع الدولي أيضاً مسؤولية التراخي وإدارة الظهر للقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وخاصة القرار 2254 الصادر في 2015، الذي صدر بإجماع دولي ويفتح الباب أمام العودة الآمنة والطوعية لكافة السوريين الذين اضطرتهم المأساة السورية وظروف الحرب إلى مغادرة بلدهم قسراً وهرباً من الموت.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور الأطراف الإقليمية والدولية في تغذية الأزمة السورية، سواء بدعمها لبعض الفصائل المسلحة أو بتدخلاتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة. هذه السياسات لم تؤد إلا إلى تعميق الأزمة الإنسانية وتفاقم معاناة المدنيين، مما يفرض على المجتمع الدولي مراجعة سياساته والعمل بشكل جاد على إنهاء الصراع وضمان حقوق اللاجئين.

إن اللعب بورقة المهاجرين السوريين ليس سوى صفحة سوداء في تاريخ السياسة الإقليمية والدولية، ويجب أن يتحمل الجميع مسؤولياته تجاه هذه الأزمة الإنسانية. لا يمكن أن يستمر هذا الوضع دون محاسبة حقيقية وإجراءات فاعلة لضمان حقوق اللاجئين السوريين وتأمين عودتهم الطوعية والآمنة إلى وطنهم. علينا جميعاً أن نعمل من أجل مستقبل أفضل للسوريين، بعيداً عن الاستغلال السياسي والاضطهاد العنصري، وأن نضع الإنسانية في مقدمة أولوياتنا السياسية والإنسانية.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!