الحقيقة الصائبة في المجتمع الكوردي: ما بين الواقعية السياسية والنشاط الافتراضي
بقلم: د. عدنان بوزان
في الوقت الذي تتحول فيه الشبكات الاجتماعية إلى ساحات للتعبير عن الآراء والمشاعر القومية، يظهر تساؤل جوهري حول مدى فعاليتها في تحقيق أهداف واقعية وملموسة. يتجسد هذا التساؤل بشكل خاص في المجتمع الكوردي، حيث تكثر المنشورات والصور التي تحمل صوراً للقادة وشعارات قومية، تعبر عن الهوية والانتماء ولكن دون أن تنقل الجمهور إلى مرحلة الفعل الفاعل.
الحقيقة الصائبة عند المجتمع الكوردي لا تكمن فقط في هذه التعبيرات الرمزية، بل في فهم أعمق للحقوق والتمسك بها بشكل عملي ونضالي. الفهم الواضح للحقوق يعني استيعاب ما يستحقه الفرد والجماعة قانونياً وأخلاقياً، وكيف يمكن لهذه الحقوق أن تصاغ في سياقات سياسية واجتماعية معاصرة.
هذا الفهم يتطلب تعليماً ووعياً مستمراً بالأسس القانونية والحقوقية التي تحكم قضايا مثل الحكم الذاتي، الحقوق الثقافية، والتمثيل السياسي. بدون هذا الوعي، يظل النضال محصوراً في إطار نظري غير قادر على تحقيق أهدافه.
أكثر من ذلك، النضال من أجل الحقوق يتطلب تنظيماً وتخطيطاً استراتيجياً يمتد إلى ما وراء الفضاء الافتراضي. التظاهرات، التحالفات السياسية، اللوبيات، والحملات التوعوية، كلها أمثلة على النضال الفعلي الذي يمكنه أن يؤدي إلى تغييرات ملموسة. وعلى الرغم من القدرة البارزة للشبكات الاجتماعية على نشر الوعي وتوحيد الصف، فإن التحدي الأكبر يكمن في تحويل هذا الوعي إلى خطوات عملية تؤدي إلى تحقيق الحقوق والمطالب.
التحديات التي يواجهها الكورد في سبيل هذه الأهداف متعددة ومعقدة، تشمل ليس فقط العقبات السياسية وإنما أيضاً التحديات الداخلية مثل الانقسامات وتعدد الرؤى والاستراتيجيات. لكن في النهاية، تظل القوة في وحدة الهدف والوضوح في الرؤية، وهي أن حقوق الإنسان والاعتراف بالهوية الكوردية هي أساس لا يمكن التنازل عنه. استراتيجيات النضال يجب أن تكون مرنة ومتجددة بما يتماشى مع التطورات السياسية والاجتماعية على الساحة الدولية، وهذا يشمل استغلال كل الأدوات المتاحة بما في ذلك الفضاء الافتراضي.
ومع ذلك، يجب التأكيد على أن النشاط الافتراضي، مهما كان مؤثراً، لا يغني عن الفعل الواقعي والملموس. الشبكات الاجتماعية يمكن أن تسهل التنظيم والتواصل ولكن الفعاليات الميدانية والمبادرات القانونية والدبلوماسية هي التي تحقق النتائج. إن الانتقال من الدعوة والتعبير إلى الفعل هو ما يحول الحقوق من مجرد مطالب إلى واقع معاش.
الكفاح من أجل حقوق الكورد ليس مجرد كفاح من أجل حقوق قومية فقط وإنما هو كفاح من أجل الاعتراف بالتنوع والتعددية في الشرق الأوسط. يمكن لهذا الكفاح أن يكون مثالاً للمنطقة بأسرها في كيفية التعامل مع الأقليات والهويات المتعددة بطريقة تحترم حقوق الإنسان وتعزز السلام والاستقرار.
بناءً على هذه الأسس، من الضروري أن يستمر المجتمع الكوردي في تعزيز الوعي القانوني والسياسي بين أفراده، مستفيداً من كل السبل المتاحة، بما في ذلك التكنولوجيا الحديثة والنظم القانونية الدولية. كما ينبغي العمل على تعزيز الوحدة والتماسك داخل الجماعة الكوردية نفسها، مما يشكل قاعدة صلبة لأي نضال مستقبلي.
في الختام، إن ملء صفحات الفيسبوك بصور القيادات والمنشورات النارية يمكن أن يكون محفزاً لكنه لا يجب أن يكون بديلاً عن الجهود الحقيقية المطلوبة لتحقيق الحقوق والاعترافات السياسية. العمل الشاق والمستمر على الأرض، والتحالفات الاستراتيجية والتفاوض من خلال القنوات الرسمية، هي السبيل لتحقيق الأهداف الطويلة الأمد للمجتمع الكوردي.