نحو مستقبل مستقر: تسوية شاملة للقضية الكوردية في سوريا

بقلم: د. عدنان بوزان

تعيش سوريا مرحلة حرجة من تاريخها السياسي، حيث تتعقد الأوضاع الداخلية وتتداخل مع التحديات الإقليمية والدولية. يلعب الملف الكوردي دوراً محورياً في تحديد مسارات المستقبل السياسي للبلاد، إذ تُعتبر القضية الكوردية في سوريا قضية أرض وشعب تمتد جذور الحركة السياسية الكوردية فيها إلى عقود، حيث سعى الكورد للحصول على حقوقهم الثقافية والسياسية في مواجهة سياسات التهميش والإقصاء. هذه الفترة تمثل فرصة لتحقيق تسوية شاملة ومستدامة تراعي حقوق جميع مكونات الشعب السوري.

1- الجذور التاريخية للقضية الكوردية:

منذ عشرات السنين، تعاني الحركة السياسية الكوردية في سوريا من التهميش والاضطهاد، حيث تعرض الكورد لسياسات الإقصاء والتمييز، بما في ذلك حرمانهم من الحقوق الثقافية واللغوية الأساسية، وتطبيق سياسات الاستيعاب القسري والتغيير الديموغرافي في المناطق ذات الأغلبية الكوردية. ومع تطورات الأحداث في سوريا منذ عام 2011، تمكن الكورد من فرض أنفسهم كقوة سياسية وعسكرية فاعلة، خاصة في شمال وشرق البلاد، مما أعطى القضية الكوردية بعداً جديداً على الساحة الوطنية والدولية.

2- نحو تسوية شاملة ومستدامة:

إن صياغة دستور جديد يتضمن الاعتراف بالحقوق القومية للكورد وإنشاء آليات سياسية تضمن مشاركتهم الفعالة في صنع القرار السياسي يمكن أن تكون خطوات مهمة نحو الاستقرار. إن تضمين هذه الحقوق في الدستور السوري يعكس التزاماً حقيقياً بالعدالة والمساواة، ويعزز الوحدة الوطنية ويضع حداً للمظالم التاريخية التي عانى منها الكورد.

3- دور المجتمع الدولي:

يجب على المجتمع الدولي دعم جهود الحوار الوطني والتسوية السياسية دون التدخل في الشؤون الداخلية، مما يعزز فرص نجاح مسار السلام. يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم دعماً فنياً ومالياً لإعادة الإعمار والتنمية في سوريا، وذلك عبر برامج مخصصة لتطوير البنية التحتية، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، ودعم المشاريع التي تعزز التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع السوري.

4- تعزيز الثقة والتعاون:

تعزيز الثقة والتعاون بين الكورد والعرب في سوريا من خلال الحوار والمشاريع المشتركة يعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد وازدهارها في المستقبل. إن إنشاء لجان مشتركة تعمل على تسوية النزاعات وتعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يكون له أثر إيجابي كبير في بناء مجتمع متماسك ومتعدد الثقافات.

5- الرؤية المستقبلية لسوريا:

رؤيتنا تدعو إلى بناء دولة سورية ديمقراطية تشاركية تحتضن تنوعها الثقافي وتعمل على تحقيق العدالة والمساواة لجميع مواطنيها. يتطلب ذلك التزاماً جاداً وتعاوناً مثمراً من كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك القوى السياسية المحلية، والمجتمع المدني، والدول الإقليمية والدولية. إن تحقيق هذه الرؤية يتطلب دعم الحوارات الوطنية الشاملة، وتعزيز مبادئ حقوق الإنسان، وضمان المشاركة الفاعلة لجميع الفئات في عملية صنع القرار.

في الختام، إن سوريا تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم، حيث يمكن أن يكون للقرارات التي تُتخذ الآن تأثير طويل الأمد على مستقبل البلاد. إن تحقيق تسوية شاملة ومستدامة تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع مكونات الشعب السوري، وبخاصة الكورد، يمثل خطوة أساسية نحو بناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والمساواة والعدالة. المجتمع الدولي، من خلال دعمه الفني والمالي، يمكن أن يلعب دوراً حيوياً في تحقيق هذا الهدف، مما يعزز فرص السلام والاستقرار في المنطقة بأسرها.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

X

تحذير

لا يمكن النسخ!